للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (١) -رحمه الله- من الآية أن الشيطان يسلك في الإنسان، وأن الصرع يكون من جهة الجن، وأن في الآية ما يرد قول من قال بخلاف ذلك كالمعتزلة (٢) الذين أنكروا قدرة الشيطان على أن يمس الإنسان ويصرعه (٣).

ووجه الاستنباط: أن الله -جل ثناؤه- أخبر أن الذين يربون الربا في الدنيا، لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. يعني بذلك: يتخبله الشيطان في الدنيا، وهو الذي يتخنقه فيصرعه {مِنَ الْمَسِّ} يعني: من الجنون (٤)؛ فدل ذلك بدلالة التضمن على أن الشيطان يسلك في الإنسان فيصرعه، والصرع يكون من جهة الجن.


(١) واستنبط غيره مناسبة هذه الآية لما قبلها، فقالوا: وجه مناسبتها لما قبلها التضاد بين الصدقة والربا، فهذه الآية تقدمها حديث الصدقة، والصدقة نقص من المال، والربا زيادة فيه، فالنفوس تحبه وتكره الصدقة؛ فجاءت الآية ردّا عليهم، وإشعارا بأن ذلك النقص زيادة، وتلك الزيادة نقص. انظر: التفسير الكبير ج ٧/ ص ٧٤، ٧٥، والبحر المحيط ج ٢/ ص ٥٣٤، وتفسير ابن عرفة ج ١/ ص ٣٥٤.
ويجوز أن تكون المناسبة أن ما قبلها وارد في تفضيل الإنفاق والصدقة في سبيل الله، وأنه يكون من طيب ما كسب، ولا يكون من الخبيث، فذكر نوع عليهم في الجاهلية، وهو خبيث، وهو الربا، حتى يمتنع من الصدقة بما كان من ربا. انظر: البحر المحيط ج ٢/ ص ٥٣٤.
(٢) المعتزلة فرقة نشأت في أواخر العصر الأموي، تعتمد على العقل المجرد في فهم العقيدة، حرروا مذهبهم في خمسة أصول: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. من عقائدهم الباطلة: استحالة رؤية الله، والقول بأن القرآن مخلوق، وأن الناس هم الذين يقدرون أكسابهم، وأنه ليس لله عز وجل في أكسابهم، ولا في أعمار سائر الحيوانات صنع ولا تقدير؛ ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية. انظر: الفرْق بين الفِرَق ص ٩٤ ومابعدها، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ج ١/ ص ٦٤ - ٧٥.
(٣) قال الجبائي المعتزلي: الناس يقولون المصروع إنما حدثت به تلك الحالة لأن الشيطان يمسه ويصرعه، وهذا باطل؛ لأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم. نقله الرازي في التفسير الكبير ج ٧/ ص ٧٨.
وقال القاضي عبد الجبار: إن مس الشيطان إنما هو بالوسوسة، ولو كان يقدر على الخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول. انظر: تنزيه القرآن عن المطاعن ص ٥٤.
(٤) انظر: جامع البيان ج ٥/ ص ٣٨، ٣٩.

<<  <   >  >>