للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد جاءت السنة بإثبات ذلك، ومن ذلك الحديث الذي استدل به الشوكاني: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم، والغرق والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً" (١).

فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أن يتخبطني" فيه دلالة واضحة على المس الحقيقي.

وكذلك التخبط المذكور في الآية هو مس حقيقي، قال ابن عاشور: (وإنما احتيج إلى زيادة قوله: {مِنَ الْمَسِّ} ليظهر المراد من تخبط الشيطان، فلا يُظن أنه تخبط مجازي بمعنى الوسوسة).

ومن أدلة السنة أيضا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم" (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والقنوجي، والقاسمي، وابن عاشور، وأبو زهرة، وابن عثيمين، والهرري. (٣).

وخالف الزمخشري، قال: (وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع) (٤).

وممن تبعه على هذا من المفسرين: البيضاوي، والشربيني، وأبو السعود، والمراغي. (٥).

واستدل المخالفون لما ذهبوا إليه بأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم، وقالوا: يدل عليه وجوه:

أحدها: قوله تعالى: - حكاية عن الشيطان-: {وَمَا كَانَ … لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: من الآية ٢٢] وهذا صريح في أنه ليس للشيطان قدرة على الصرع والقتل والإيذاء.

والثاني: الشيطان إما أن يقال: إنه كثيف الجسم، أو يقال: إنه من الأجسام اللطيفة، فإن كان الأول؛ وجب أن يرى ويشاهد، إذ لو جاز فيه أن يكون كثيفا ويحضر، ثم لا يرى؛ لجاز أن يكون بحضرتنا شموس ورعود وبروق وجبال، ونحن لا نراها، ولأنه لو كان جسما كثيفا فكيف يمكنه أن يدخل في باطن بدن الإنسان. وأما إن كان جسما لطيفا كالهواء فمثل هذا يمتنع أن يكون فيه صلابة وقوة، فيمتنع أن يكون قادرا على أن يصرع الإنسان ويقتله.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب: الاعتكاف، باب: زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، رقم الحديث: ١٩٣٣، ج ٢/ ص ٧١٧، ومسلم في كتاب: السلام، باب: بيان أنه يستحب لمن رؤي خاليا بامرأة وكانت زوجة أو محرما له أن يقول: هذه فلانة؛ ليرفع ظن السوء به، رقم الحديث: ٢١٧٤، ج ٤/ ص ١٧١٢.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٣/ ص ٣٣٧، وفتح البيان ج ٢/ ص ١٣٩، ومحاسن التأويل ج ٢/ ص ٢٢٠، والتحرير والتنوير ج ٢/ ٥٥٠، وزهرة التفاسير ج ٢/ ١٠٤٢، وتفسير سورة البقرة ج ٣/ ص ٣٧٦، وحدائق الروح والريحان ج ٤/ ص ١٠٣.
(٤) الكشاف ج ١/ ص ٣٤٧.
(٥) انظر: أنوار التنزيل ج ١/ ص ٥٧٤، والسراج المنير ج ١/ ص ٢١٢، وإرشاد العقل السليم ج ١/ ص ٢٦٦ وتفسير المراغي ج ٣/ ٥٩، ٦٠.

<<  <   >  >>