للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فدع عنك نهبا صيح في حجراته وهات حديثا ما حديث الرواحل) (١).

فإن قوله هذا لا يكفي للقطع بأنه من المعارضين لعلم المناسبة، كيف؟ وهو ينهج في تفسيره نهجا يشد أزر القائلين به، ولا يجد فرصة لإبراز النظام إلا وينتهزها، ويقف عندها. وإنما الذي حمله على تسجيل تلك الكلمات اللاذعة هو أن الذين تبنوا فكرة التناسب لم يتعاطوها على وجهها. فالمطلع على تلك الجهود يجدها كثيرا ما تخطئ الهدف، ويجد جزءا كبيرا منها يغلب عليه لون التكلف والتعسف، فهي أقرب إلى التكلفات منها إلى المناسبات. وهذا ما هيَّج الشوكاني وأثار حميته، وجعله يشدد القول (٢).

[ومن الأمثلة على المناسبات التي يأباها الشوكاني]

١) ما ذكره البقاعي من مناسبة قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)} [البقرة: ١٦٣] لما قبله، فإن فيه تكلفا يأباه الشوكاني؛ ولذا استنبط مناسبة أخرى هي أقرب للصواب (٣).

٢) مناسبة تخصيص الطير، والعدد أربعة بالذكر في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)} [البقرة: ٢٦٠]، قال الشوكاني: (وخص الطير بذلك قيل: لأنه أقرب أنواع الحيوان إلى الإنسان، وقيل: إن الطير همته الطيران في السماء، والخليل كانت همته العلو، وقيل غير ذلك من الأسباب الموجبة لتخصيص الطير. وكل هذه لا تسمن ولا تغني من جوع، وليست إلا خواطر أفهام، وبوادر أذهان لا ينبغي أن تجعل وجوها لكلام الله، وعللا لما يرد في كلامه. وهكذا قيل: ما وجه تخصيص هذا العدد، فإن الطمأنينة تحصل بإحياء واحد، فقيل: إن الخليل إنما سأل واحدا على عدد العبودية فأعطي أربعا على قدر الربوبية، وقيل: إن الطيور الأربعة إشارة إلى الأركان الأربعة التي منها تتركب أركان الحيوان، ونحو ذلك من الهذيان) (٤).


(١) فتح القدير ج ١/ ص ٧٢، ٧٣.
(٢) انظر: إمعان النظر في نظام الآي والسور لمحمد سبحاني ص ٣٧ و ٣٩.
(٣) انظر قول البقاعي وموقف الشوكاني منه عند الاستنباط رقم: ١٨.
(٤) فتح القدير ج ١/ ص ٢٨٢.

<<  <   >  >>