للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الرحمن]

٢٠٢ - تهديد الله للمخالفين يعد من النعم؛ لأن به ينزجر المسيء عن إساءته، ويزداد به المحسن إحسانا (١).

قال تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)} الرحمن: ٣١ - ٣٢.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)} فإن من جملتها ما في هذا التهديد من النعم، فمن ذلك أنه ينزجر به المسيء عن إساءته، ويزداد به المحسن إحسانا؛ فيكون ذلك سببا للفوز بنعيم الدار الآخرة الذي هو النعيم في الحقيقة) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن تهديد المخالفين يعد من النعم؛ لأن به ينزجر المسيء عن إساءته، ويزداد به المحسن إحسانا.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى بعد تهديده لمن خالف ذكر قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)}؛ فدل ذلك بدلالة الربط بين الآيتين، أو بدلالة السياق (٤) على أن تهديد المخالفين من النعم؛ إذ لابد أن يكون بين ذكر الآلاء وذكر التهديد رابط يربطهما.

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والهرري (٥).

وقد تكرر في السورة التنبيه على آلآء الله بعد الشدائد، ولذلك تكرر هذا الاستنباط، ومن ذلك قول الشوكاني - عند قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤)} الرحمن: ٣٣ - ٣٤ - : ({فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)} ومن جملتها هذه النعمة الحاصلة بالتحذير والتهديد؛ فإنها تزيد المحسن إحسانا، وتكف المسيء عن إساءته، مع أن من حذركم وأنذركم قادر على الإيقاع بكم من دون مهلة) (٦). (٧)


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ٥/ ص ١٣٧.
(٣) واستنبط غيره من قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١)} أن الجن مخاطبون، مكلفون، مأمورون، منهيّون، مثابون، معاقبون، كالإنس سواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم. انظر: اللباب ج ١٨/ ص ٣٣٠، ووجهه: دلالة الالتزام للتهديد.
(٤) لأن السباق، واللحاق وهو قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣)} [الرحمن: ٣٣] تهديد، فذكر الآلاء بينهما دال على أن التهديد نعمة.
(٥) انظر: فتح البيان ج ١٣/ ص ٣٢٩، وحدائق الروح والريحان ج ٢٨/ ص ٢٩٠.
(٦) فتح القدير ج ٥/ ص ١٣٧.
(٧) نقله القنوجي في فتح البيان ج ١٣/ ص ٣٣١، والهرري في حدائق الروح والريحان ج ٢٨/ ص ٢٩٣.

<<  <   >  >>