للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٦ - مشروعية صلاة الجماعة (١).

قال تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} آل عمران: ٤٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ظاهره ركوعها يكون مع ركوعهم، فيدل على مشروعية صلاة الجماعة) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- من الآية مشروعية صلاة الجماعة (٤).

ووجه الاستنباط: أن الله لما اصطفى مريم، وطهرها على نساء العالمين؛ أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء، فأمرها أن تركع مع أهل المسجد، وتصلي مع المصلين في جماعة بقوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}؛ فدلت المعية على مشروعية صلاة الجماعة.

قال ابن القيم: الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة، بل مريم بخصوصها أمرت بذلك بخلاف قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} ومريم كانت لها خاصة لم تكن لغيرها من النساء، فإن أمها نذرتها أن تكون محررة لله، ولعبادته، ولزوم المسجد، وكانت لا تفارقه؛ فأمرت أن تركع مع أهله، ولما اصطفاها الله، وطهرها على نساء العالمين؛ أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [آل عمران: ٤٢ - ٤٣]. إلى أن قال: حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها، وهذه المصاحبة تفيد زائدا على المشاركة، ولا سيما في الصلاة، فإنه إذا قيل: صل مع الجماعة، أو صليت مع الجماعة لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة (٥).


(١) وهو استنباط فقهي.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٣٣٨.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) نكتة التعبير بذلك في هذا المقام دون واسجدي مع الساجدين الإشارة إلى أن من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك ركعة من الصلاة. انظر: روح المعاني ج ٣/ ص ١٥٧.
٢) أن العُبَّاد من الرجال أكثر من العُبَّاد من النساء؛ لقوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}، ولم يقل مع الراكعات إشارة إلى أن الكمال في الرجال، وكثرة العمل في الرجال أظهر منها في النساء. انظر: تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين ج ١/ ص ٢٦١.
(٤) تقدم استنباط الشوكاني: الإرشاد لصلاة الجماعة من قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} الآية ٤٢ من سورة البقرة.
(٥) انظر: الصلاة وحكم تاركها لابن القيم. ص ١٤٠. بتصرف.

<<  <   >  >>