للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الشيخ محمد أبو زهرة: وهذا -أي أمرها بالركوع مع الراكعين- فيه فائدة، فالصلاة مع الجماعة من تمام النسك والعبادة. فمريم البتول كانت ملازمة للمحراب منذ نشأتها في كفالة زكريا، وهي بهذا تشبه أن تكون بعزلة عن عوجاء الحياة وما فيها، وما عند الناس حتى في عباداتهم، فبينت لها الملائكة عن الله سبحانه أن تصلي جماعة مع الناس، فإن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: الآلوسي، والقنوجي، ومحمد أبو زهرة، والدوسري. (٢). وأشار إليه

أكثر المفسرين (٣).

وخالف الشيخ ابن عثيمين في أن المعية هنا دالة على الصحبة والاجتماع، فرأى أنها في الآية دلت على الموافقة في الفعل فقط دون اجتماع، فقال في تفسير {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}: أي: في جملتهم، وليس المراد أن تصلي مع الجماعة؛ لأن المرأة لا تخاطب بالصلاة مع الجماعة، لكن كوني في جملة الراكعين الذين يركعون لله عز وجل (٤).

وقول الشيخ ابن عثيمين له وجه إذ المعية تحتمل الموافقة في الفعل فقط دون اجتماع؛ كما تحتمل الصحبة والاجتماع في إيقاع الركوع مع من يركع، فتكون مأمورة بالصلاة في جماعة (٥)، إلا أن الثاني -والله أعلم- هو الأظهر؛ لأمور:

الأول: أنها أمرت بذلك لخصوصيتها -كما تقدم من كلام ابن القيم-، وإظهارا لمعنى ارتفاعها عن بقية النساء الذي دل عليه سياق الثناء عليها بالاصطفاء.

قال ابن عاشور: وقوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} إذن لها بالصلاة مع الجماعة، وهذه خصوصية لها بين نساء بني إسرائيل؛ إظهارا لمعنى ارتفاعها عن بقية النساء (٦).

الثاني: أن الله أمرها بقوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} بعد الأمر بالسجود الذي يهدف إلى الصلاة، فالأمر بركوعها مع الراكعين هو للتأسيس، لا للتأكيد، -لأن التأسيس أولى من التأكيد- إذ فيه زيادة أمر الركوع مع الراكعين، ويقصد به صلاتها مع الجماعة (٧).


(١) انظر: زهرة التفاسير ج ٢/ ص ١٢١٥.
(٢) انظر: روح المعاني ج ٣/ ص ١٥٧، وفتح البيان ج ٢/ ص ٢٣٣، وزهرة التفاسير ج ٢/ ص ١٢١٥، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٤/ ص ١٢١.
(٣) قال الآلوسي: والأكثرون على أن فائدة قوله سبحانه: {مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} الإرشاد إلى صلاة الجماعة. انظر: روح المعاني ج ٣/ ص ١٥٧.
(٤) انظر: تفسير سورة آل عمران ج ١/ ص ٢٥٧.
(٥) انظر: البحر المحيط ج ٢/ ص ٧٣٢.
(٦) انظر: التحرير والتنوير ج ٣/ ص ٩٥.
(٧) انظر: صفوة الآثار والمفاهيم ج ٤/ ص ١٢١.

<<  <   >  >>