للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من الآية أن رحمة الله سبقت غضبه.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر أن الجميع ملك له، وأنه المتصرف فلا معقب لحكمه، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ثم ختم الآية بما يدل على المغفرة فقال: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)} فدل ختمه بهذين الاسمين المتضمنين صفتي المغفرة والرحمة بدلالة الربط بين الآية وخاتمتها على أن رحمة الله سبقت غضبه، إذ التذييل بهذين الاسمين مقرر لمضمون قوله تعالى: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} مع زيادة، وفي تخصيص التذييل به من الاعتناء بشأن المغفرة والرحمة ما لا يخفى. (١).

قال الرازي: (ثم ختم الكلام بقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)} والمقصود بيان أنه وإن حسن كل ذلك منه، إلا أن جانب الرحمة والمغفرة غالب لا على سبيل الوجوب، بل على سبيل الفضل والإحسان) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي-كما تقدم-، والطوفي، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي، والقاسمي. (٣).

وذكر الهرري وجها آخر لاستنباط هذا المعنى فقال: ({يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} مغفرته بفضله ورحمته، {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} تعذيبه بعدله، وتقديم المغفرة على التعذيب للإعلام بأن رحمته سبقت غضبه) (٤).

فوجه الاستنباط عنده تقديم ذكر المغفرة على العذاب.

وكلا الوجهين صحيح في دلالته على المعنى المستنبط. وهو بلا شك معنى صحيح، فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي" (٥). ولذا جمع بعض المفسرين كالبروسوي بين الوجهين (٦).


(١) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ٨٤، وروح المعاني ج ٤/ ص ٥٢.
(٢) التفسير الكبير ج ٨/ ص ١٩٣.
(٣) انظر: قطف الأزهار ج ١/ ص ٦٤٠ حيث نقل السيوطي قول الطوفي، وإرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ٨٤، وروح المعاني ج ٤/ ص ٥٢، وفتح البيان ج ٢/ ص ٣٢٩، ومحاسن التأويل ج ٢/ ص ٤١٠.
(٤) حدائق الروح والريحان ج ٥/ ص ١١٥.
(٥) أخرجه البخاري في كتاب: التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء رقم: ٦٩٨٦، ج ٦/ ص ٢٧٠٠.
(٦) انظر: روح البيان ج ٢/ ص ٩٥.

<<  <   >  >>