للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: السمرقندي، والبيضاوي، وابن عادل الحنبلي، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي، والقاسمي، والهرري. (١).

٤٠ - تناهي عداوة المنافقين فبمجرد أن تمس المسلمين حسنة يحصل به المساءة للمنافقين، ولا يفرحون إلا بإصابة السيئة (٢).

قال تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)} آل عمران: ١٢٠.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وعبر بالمس في الحسنة، وبالإصابة في السيئة؛ للدلالة على أن مجرد مس الحسنة يحصل به المساءة، ولا يفرحون إلا بإصابة السيئة) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من الآية تناهي عداوة المنافقين فبمجرد أن تمس المسلمين حسنة يحصل به المساءة للمنافقين، ولا يفرحون إلا بإصابة السيئة.

ووجه الاستنباط: أن الله ذكر المس -وهو أقل تمكنا من الإصابة- في الحسنة؛ ليبين أن بأدنى طروء الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين، ثم عادل ذلك بالسيئة بلفظ الإصابة وهي عبارة عن التمكن؛ لأن الشيء المصيب لشيء فهو متمكن منه أو فيه؛ فدل هذا المنزع البليغ -بدلالة مناسبة اللفظ- على شدة العداوة، إذ هو حقد لا يذهب عند الشدائد، بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين (٤).

قال ابن المنير (٥): (والمس أقل تمكنا من الإصابة، وكأنه أقل درجاتها، فكأن الكلام-والله أعلم-: إن تصبكم الحسنة أدنى إصابة تسؤهم ويحسدوكم عليها، وإن تمكنت الإصابة منكم وانتهى الأمر فيها إلى الحد الذي يرثى الشامت عنده منها فهم لا يرثون لكم، ولا ينفكون عن حسدهم، ولا في هذه الحالة، بل يفرحون ويسرون، والله أعلم) (٦).


(١) انظر: بحر العلوم ج ١/ ص ٢٦٢، وأنوار التنزيل ج ٢/ ص ٧٧، واللباب ج ٥/ ص ٤٥٨، وإرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ٦٩، وروح المعاني ج ٤/ ص ٢٦، وفتح البيان ج ٢/ ص ٣٠٨، ومحاسن التأويل ج ٢/ ص ٣٨٤، وحدائق الروح والريحان ج ٥/ ص ٥٩.
(٢) وهو استنباط فائدة علمية.
(٣) فتح القدير ج ١/ ص ٣٧٦.
(٤) انظر: المحرر الوجيز ص ٣٤٩.
(٥) هو ناصر الدين، أحمد بن محمد بن منصور الإسكندري المالكي، المعروف بابن المُنَيَّر، إمام بارع في الفقه، والعربية، والبلاغة، وله باع طويل في التفسير، والقراءات، له مصنفات كثيرة منها: "الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال"، توفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة للهجرة. انظر: طبقات المفسرين للداودي ج ١، ص ٨٨ - ٩٠، وشذرات الذهب ج ٥، ص ٣٨١.
(٦) الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال ج ١/ ص ٤٣٦.

<<  <   >  >>