للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن موسى -عليه السلام- عندما أراد أن يتعلم من العبد الصالح سأله ملاطفة، ومبالغة في حسن الأدب؛ فاستأذنه أن يكون تابعا له على أن يعلمه مما علمه الله من العلم، فجعل نفسه تبعاً له فقال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ} مع أن موسى -عليه السلام- أفضل منه؛ فدل بدلالة الاقتداء بأفعال الأنبياء على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب.

والمتابعة هي الإتيان بمثل فعل الغير لأجل كونه فعلا لذلك الغير. قال الرازي: (المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير لأجل كونه فعلا لذلك الغير، قوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ} يدل على أنه يأتي بمثل أفعال ذلك الأستاذ لمجرد كون ذلك الأستاذ آتيا بها، وهذا يدل على أن المتعلم يجب عليه في أول الأمر التسليم، وترك المنازعة والاعتراض) (١).

والمتابعة نوع من الأدب والتواضع الواجب على المتعلم، وقد راعى موسى -عليه السلام- في سوق الكلام غاية التواضع معه، فأثبت كونه تبعا للعبد الصالح، واستأذنه في إثبات هذا التبعية، ثم طلب أن يعلمه، وهذا منه ابتداء بالخدمة، ثم في المرتبة الثانية طلب منه التعليم، وهذا مبالغة عظيمة في التواضع (٢).

فحق العالم على المتعلم أن يتبعه، وأن يقتدي به. قال ابن عاشور: (وفيه أيضا إشارة إلى أن حق المعلم على المتعلم اتباعه، والاقتداء به) (٣).

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي-كما تقدم-، والقرطبي، والقنوجي، وابن عاشور-كما تقدم-، والهرري. (٤).

١٤١ - جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة (٥).

قال تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧)} الكهف: ٧٧.

و قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ … لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)} الكهف: ٨٢.


(١) التفسير الكبير ج ٢١/ ص ١٢٩.
(٢) انظر: المصدر السابق ج ٢١/ ص ١٢٨، ١٢٩.
(٣) التحرير والتنوير ج ١٥/ ص ١٠٧.
(٤) انظر: التفسير الكبير ج ٢١/ ص ١٢٩، والجامع لأحكام القرآن ج ١١/ ص ١٨، وفتح البيان ج ٨/ ص ٨١، والتحرير والتنوير ج ١٥/ ص ١٠٧، وحدائق الروح والريحان ج ١٦/ ص ٤٤٢، ٤٤٣.
(٥) وهو استنباط لغوي.

<<  <   >  >>