للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (١) -رحمه الله- أن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أمر مريم بالأكل من الرطب قبل الشرب، فقال: {فَكُلِي وَاشْرَبِي}؛ فدل بدلالة التقديم على أن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء.

قال الرازي: (ونقول قدم الأكل على الشرب؛ لأن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء لكثرة ما سال منها من الدماء) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي-كما تقدم-، وابن عادل الحنبلي، والقنوجي. (٣).

ويشهد لهذا الاستنباط أن الله تعالى ذكر الماء أولا بقوله: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)} [مريم: ٢٤]، ثم ذكر الرطب بقوله: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)} [مريم: ٢٥]، ثم أمر بالأكل أولا ثم الشرب، مع أن ذكر الماء مقدم، فلابد أن يكون لتقديم الأكل من فائدة (٤). وأما تقديم الماء فلأنه أصل في النفع، ونفعه عام للتنظيف ونحوه، وقد كان جاريا، وهو أظهر في إزالة الحزن (٥).

ولا شك أن الرطب نافع للنفساء. قال القصاب - عند قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)} [مريم: ٢٥]-: (دليل على أن الرطب للنفساء نافع) (٦).

وقال السيوطي: (وفيه أصل لما يقوله الأطباء: إن الرطب ينفع النفساء) (٧).

بل هو أنفع ما يكون لها، قال الشنقيطي: وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن خير ما تطعمه النفساء الرطب، قالوا: لو كان شيء أحسن للنفساء من الرطب لأطعمه الله مريم وقت نفاسها بعيسى (٨).

ويمكن حمل هذا على أنه الأنفع وقت ولادتها خصوصا؛ فإنه إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب (٩).

وهي بحاجة إليه في كل وقت لأنه يعد غذاء كاملا؛ لاحتوائه على جميع العناصر الغذائية الأساسية بنسب متوازنة، ولذلك أرشد الله مريم إلى أكله، ومعلوم أن المرأة بعد الولادة تحتاج غذاء غنيا لتعويضها عما تفقده من دم أثناء الولادة وفي فترة النفاس، ولتوفير كمية كافية من اللبن من أجل إرضاع وليدها (١٠).


(١) واستنبط غيره أن الرزق وإن كان محتوما فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه؛ لأن مريم أمرت بهز الجذع. وليس فيه ما ينافي التوكل. انظر: المحرر الوجيز ص ١٢٢٥، وأضواء البيان ج ٢/ ص ٤٦٦.
(٢) التفسير الكبير ج ٢١/ ص ١٧٦.
(٣) انظر: التفسير الكبير ج ٢١/ ص ١٧٦، واللباب ج ١٣/ ص ٥٠، وفتح البيان ج ٨/ ص ١٥٣.
(٤) وليس لمجرد كون العادة الأكل قبل الشرب كما جاء في البحر المحيط ج ٦/ ص ٢٣٠.
(٥) انظر: روح المعاني ج ١٦/ ص ٨٥، ٨٦.
(٦) نكت القرآن ج/ ص ٢٣٨.
(٧) الإكليل ج ٣/ ص ٩٤١.
(٨) أضواء البيان ج ٢/ ص ٤٦٧.
(٩) انظر: زهرة التفاسير ج ٩/ ص ٤٦٣٠.
(١٠) انظر: الموسوعة الطبية الفقهية ص ٢١٩.

<<  <   >  >>