للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبحانه: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}) (١).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٢) -رحمه الله- أن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس بمهتد.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما قال: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} أعقبها بقوله: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، ولازم الهداية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فدل ذلك على أن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس بمهتد.

قال الشنقيطي: (قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور وذلك في قوله: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؛ لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد). إلى أن قال: (ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد أن الله تعالى أقسم أنه في خسر في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)} [العصر: ١ - ٣]). (٣).

وممن قال بهذا الاستنباط: الجصاص، وأبو السعود، والسعدي، والشنقيطي-كما تقدم-، وابن عثيمين. (٤).

وفي هذا الاستنباط تحذير من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ تركه عدم اهتداء، وإنما يجوز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أحوال قليلة.

قال ابن عطية: (وجملة ما عليه أهل العلم في هذا أن الأمر بالمعروف متعين متى رجي القبول، أو رجي رد المظالم ولو بعنف، ما لم يخف المرء ضررا يلحقه في خاصيته، أو فتنة يدخلها على المسلمين إما بشق عصا، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس، فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم محكم واجب أن يوقف عنده) (٥)

وقال الشوكاني: (فتحمل هذه الآية على من لا يقدر على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو لا يظن التأثير بحال من الأحوال، أو يخشى على نفسه أن يحل به ما يضره ضررا يسوغ له معه الترك) (٦).


(١) فتح القدير ج ٢/ ص ٨٤.
(٢) واستنبط ابن عثيمين من الآية استنباطات أخرى، منها: ما استنبط بمفهوم المخالفة من أن المؤمنين إذا لم يهتدوا فقد يسلط عليهم أعداؤهم فيضرونهم؛ لأن الله اشترط لعدم الضرر الهداية. انظر: تفسير سورة المائدة ج ٢/ ص ٤٦١.
(٣) أضواء البيان ج ١/ ص ٣٤٤.
(٤) انظر: أحكام القرآن ج ٤/ ص ١٥٥، وإرشاد العقل السليم ج ٣/ ص ٨٨، وتيسير الكريم الرحمن ص ٢٤٦، وأضواء البيان ج ١/ ص ٣٤٤، وتفسير سورة المائدة ج ٢/ ص ٤٥٩.
(٥) المحرر الوجيز ص ٥٨٨.
(٦) فتح القدير ج ٢/ ص ٨٤.

<<  <   >  >>