للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمدح النفس إنما يكون مذموما إذا قُصِد به التطاول والتفاخر، والتوصل إلى غير ما يحل (١).

ومثل هذا الاستنباط استنبطه القصاب أيضا من قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩)} [يوسف: ٥٩]، فقال: (قوله إخبارا عن يوسف -عليه السلام-: {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩)} أوضح حجة، وأبلغها نهاية في تطرية النفس عند الحاجة) (٢).

وكما وصف يوسف -عليه السلام- نفسه وصف صالح مدين نفسه مادحا بقوله: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)} القصص: ٢٧.

قال ابن عاشور: (يريد الصالحين بالناس في حسن المعاملة ولين الجانب. قصد بذلك تعريف خلقه لصاحبه، وليس هذا من تزكية النفس المنهي عنه؛ لأن المنهي عنه ما قصد به قائله الفخر والتمدح، فأما ما كان لغرض في الدين أو المعاملة فذلك حاصل لداع حسن كما قال يوسف: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ}) (٣).

١١٣ - يجوز لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر (٤).

قال تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} يوسف: ٥٥ - ٥٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقد استدل بهذه الآية على أنه يجوز تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق. وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفي في قوله سبحانه: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (٥) [هود: ١١٣]) (٦).


(١) انظر: التفسير الكبير ج ١٨/ ص ١٢٩.
(٢) نكت القرآن ج ١/ ص ٦١٩.
(٣) التحرير والتنوير ج ٢٠/ ص ٤٧.
(٤) وهو استنباط فقهي، واستنباط في علوم القرآن (لتعلقه بقصص الأنبياء).
(٥) وتمامها: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (١١٣)}
(٦) فتح القدير ج ٣/ ص ٣٥.

<<  <   >  >>