للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذا الاستنباط تأنيس وتبشير لكل مؤمن مضطر، فإن الذي وسعت رحمته المضطر الكافر؛ يغدق على المؤمنين حال اضطرارهم من فيض رحماته، وجميل عطاياه.

١٠١ - مناسبة قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)} بعد ذكر عدم اهتداء الكفار بأسماعهم وأبصارهم (١).

قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)} يونس: ٤٢ - ٤٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)} ذكر هذا عقب ما تقدم من عدم الاهتداء بالأسماع والأبصار؛ لبيان أن ذلك لم يكن لأجل نقص فيما خلقه الله لهم من السمع والعقل والبصر والبصيرة، بل لأجل ما صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق، والمجادلة بالباطل، والإصرار على الكفر، فهم الذين ظلموا أنفسهم بذلك ولم يظلمهم الله شيئا من الأشياء، بل خلقهم وجعل لهم من المشاعر ما يدركون به أكمل إدراك، وركب فيهم من الحواس ما يصلون به إلى ما يريدون، ووفر مصالحهم الدنيوية عليهم، وخلى بينهم وبين مصالحهم الدينية فعلى نفسها جنت براقش) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن مناسبة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)} عقب ذكر عدم اهتداء الكفار بالأسماع والأبصار بيان أن عدم الاهتداء لم يكن لأجل نقص فيما خلقه الله لهم من السمع والعقل والبصر والبصيرة، بل لأجل ما صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق، والمجادلة بالباطل، والإصرار على الكفر.


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة)، وهو استنباط عقدي لتعلقه بالربوبية.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٤٨.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) أن للسمع مزية على البصر، ووجهه: لأن الله تعالى قرن بذهاب السمع ذهاب العقل، ولم يقرن بذهاب النظر إلا ذهاب البصر، فوجب أن يكون السمع أفضل من البصر. انظر: التفسير الكبير ج ١٧/ ص ٨٢، والإكليل ج ٢/ ص ٨٤٦. قال ابن الأنباري: وهذا غلط لأن المراد من الآية عمى القلب لا عمى العين، وكذلك صمم القلب لا صمم الأذن فعلى هذا لا يقع التفضيل. انظر: تفسير القرآن العزيز للسمعاني ج ٢/ ص ٣٨٦.
٢) في الآية دليل على أن للعبد كسبا، وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة. انظر: أنوار التنزيل ج ٣/ ص ٢٠٠.

<<  <   >  >>