للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٣ - مناسبة ختم الآية بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤)}

الإشارة إلى الأزواج بخفض الجناح، ولين الجانب، أي: وإن كنتم تقدرون عليهن؛ فاذكروا قدرة الله عليكم (١).

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ … عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤)} النساء: ٣٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({إِنَّ اللَّهَ كَانَ … عَلِيًّا كَبِيرًا (٣٤)} إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح، ولين الجانب، أي: وإن كنتم تقدرون عليهن؛ فاذكروا قدرة الله عليكم، فإنها فوق كل قدرة والله بالمرصاد لكم) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن مناسبة ختم الحديث عما أباحه الله للأزواج من تأديب زوجاتهن بما أمر الله بكون الله عليا كبيرا تذكير الأزواج بقدرة الله عليهم وحثهم على خفض الجناح، ولين الجانب.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر قوامة الرجال على النساء، وفي هذا نوع استعلاء، ثم أباح للأزواج تأديب زوجاتهن بما أمر الله، ثم ختم الآية باسمين كريمين من أسمائه سبحانه هما العلي الكبير؛ فدل بدلالة الربط بين الآية وخاتمتها على وعظ الأزواج وتوجيههن بخفض الجناح، ولين الجانب، وتحذيرهم وإنذارهم بأن قدرة الله عليهم فوق قدرتهم على زوجاتهن (٤).

قال ابن عطية: (وهذا نهي عن ظلمهن بغير واجب بعد تقدير الفضل عليهن، والتمكين من أدبهن، وحسن معه الاتصاف بالعلو والكبر أي: قدره فوق كل قدر، ويده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعمل أحد على امرأته فالله بالمرصاد. وينظر هذا إلى حديث أبي مسعود (٥): "فصرفت وجهي فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا العبد" (٦) (٧).


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٤٦١.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) استنبط من قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} بمفهوم المخالفة أنه متى عجز الزوج عن نفقة زوجته لم يكن قواما عليها، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد. انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٥/ ص ١٦٦، والإكليل ج ٢/ ص ٥٥٣. ونسبه الشوكاني في فتح القدير إلى مالك والشافعي ج ١/ ص ٤٦١.
٢) لا يجوز للمرأة أن تلي القضاء كالإمامة العظمى؛ لأنه جعل الرجال قوامين عليهن، فلم يجز أن يَقُمن على الرجال. انظر: الإكليل ج ٢/ ص ٥٥٣.
(٤) انظر: البحر المحيط ج ٣/ ص ٣٤٣، وقطف الأزهار ج ٢/ ص ٧٠٢.
(٥) هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، أبو مسعود البدري، وهو مشهور بكنيته، اتفقوا على أنه شهد العقبة، واختلفوا في شهوده بدرا، فقال الأكثر نزلها، وقيل: إنه نزل ماء ببدر فنسب إليه، وشهد أحدا وما بعدها، ونزل الكوفة، وكان من أصحاب علي، واُستخلف مرة على الكوفة، ثبت أنه أدرك إمارة المغيرة على الكوفة وذلك بعد سنة أربعين قطعا، قيل: مات بالكوفة، وقيل: مات بالمدينة. انظر: الاستيعاب ج ١/ ص ١٧٧، والإصابة ج ٤/ ص ٤٢٥.
(٦) وتمام الحديث: عن أبي مسعود الأنصاري قال: "كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار". أخرجه مسلم في كتاب: الأيمان، باب: صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده، رقم: ١٦٥٩، ج ٣/ ص ١٢٨١.
(٧) المحرر الوجيز ص ٤٣٢.

<<  <   >  >>