للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومما يؤيد هذا الاستنباط أن خطابات القرآن وقصصه المتعلقة بالأمم الأخرى إنما يقصد منها الاعتبار والاتعاظ.

قال الرازي: جميع ما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل تنبيه للعرب؛ لأن الفضيلة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قد لحقتهم، وجميع أقاصيص الأنبياء تنبيه وإرشاد، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨)} [الزمر: ١٨]، وقال:

{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: من الآية ٥٥] وقال: {لَقَدْ كَانَ … فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف ١١١]. ولذلك روى قتادة (١) قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يقول: قد مضى والله بنو إسرائيل وما يغني ما تسمعون عن غيركم (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والقنوجي، وابن عاشور. (٣).

١٠ - كفر اليهود كفر عناد لا كفر جهل، وقوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)} لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل (٤).

قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)} البقرة: ٤٢.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)} جملة حالية، وفيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل، وذلك أغلظ للذنب، وأوجب للعقوبة وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل؛ لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء حتى يعلم بحكمه، خصوصا في أمور الدين، فإن التكلم فيها والتصدي للإصدار والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأسا في العلم، فردا في الفهم، وما للجهال والدخول فيما ليس من شأنهم والقعود في غير مقاعدهم) (٥).


(١) التابعي، المفسر، الحافظ، قَتَادة بن دَعَامة بن عزيز السدوسي، البصري، كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ، وكان رأسا في العربية، والغريب، وأيام العرب، وأنسابها، توفي سنة ثماني عشرة ومائة، وقيل: سبع عشرة ومائة للهجرة. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٧، ص ٢٢٩، ٢٣٠، وطبقات المفسرين للداودي ج ٢، ص ٤٣، ٤٤.
(٢) التفسير الكبير ج ٣/ ص ٥٠. وانظر قريبا منه قول ابن عاشور في التحرير والتنوير ج ١/ ص ٦٨.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٣٧٤، وفتح البيان ج ١/ ص ١٤٩، ١٥٠، والتحرير والتنوير ج ١/ ص ٤٥١.
(٤) وهو استنباط فائدة علمية.
(٥) فتح القدير ج ١/ ص ٧٥.

<<  <   >  >>