للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الرازي: ({وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا … (٢٧)} ومعنى كون الشيطان كفورا لربه: هو أنه يستعمل بدنه في المعاصي، والإفساد في الأرض، والإضلال للناس، وكذلك كل من رزقه الله تعالى مالا أو جاها فصرفه إلى غير مرضاة الله تعالى كان كفورا لنعمة الله تعالى، والمقصود أن المبذرين إخوان الشياطين بمعنى كونهم موافقين للشياطين في الصفة والفعل، ثم الشيطان كفور لربه؛ فيلزم كون المبذر أيضا كفورا لربه) (١). (٢).

المبحث الخامس:

الاستنباط بدلالة الاقتران

[تعريف دلالة الاقتران]

الجمع بين شيئين أو أكثر في سياق واحد (٣).

وفي (العدة في أصول الفقه): أن يذكر الله أشياء في لفظ واحد، ويعطف بعضها على بعض (٤).

ويُعَرَّف أيضا بأنه: الاستدلال بالجمع بين شيئين على اتحاد حكمهما (٥).

والاقتران كما يأتي في الأحكام يكون في المعاني المختلفة أيضا. قال د. خالد السبت-بعد أن تحدث عن دلالة الاقتران بمعناها الأصولي، وحكمها-: (هذا واعلم أن ما مضى إنما هو في الأحكام، أما المعاني الأخرى فيمكن أخذ شيء منها عن طريق دلالة الاقتران، وذلك كالتشريف الناتج عن الاقتران المشعر به أحيانا، أو التعظيم، أو غير ذلك من المعاني، والله أعلم) (٦).

والذي ظهر لي -والله أعلم- أن الشوكاني استعمل دلالة الاقتران في المعاني فقط، كتعظيم أمر ما، والتنبيه على معنى شريف مستنبط من اقتران اسمين من أسماء الله الحسنى، ونحو ذلك (٧). أما دلالة الاقتران بالمعنى الأصولي الدقيق -أي في الأحكام- فلم يستعملها الشوكاني.

[أمثلة لاستنباط الشوكاني بدلالة الاقتران]

[المثال الأول]

ما استنبطه الشوكاني من قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١)} [آل عمران: ١٨١] حيث قال -رحمه الله-: (قوله: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ} عطف على {مَا قَالُوا} أي: ونكتب قتلهم الأنبياء، أي: قتل أسلافهم للأنبياء، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به. جعل ذلك القول قرينا لقتل الأنبياء تنبيها على أنه من العظم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء) (٨).


(١) التفسير الكبير ج ٢٠/ ص ١٥٥.
(٢) وهذا من استنباطات الشوكاني وانظر دراسته في الاستنباط رقم: ١٣٣.
(٣) انظر: منهج الاستنباط للوهبي ص ٣٢٧ نقلا عن دلالة الاقتران وأثرها في استنباط الأحكام الشرعية لليوبي ص ٨.
(٤) لأبي يعلى ج ٤، ص ١٤٢٠ - ١٤٢٢.
(٥) انظر: منهج الاستنباط للوهبي ص ٣٢٧ نقلا عن دلالة الاقتران وأثرها في استنباط الأحكام الشرعية لليوبي ص ٨.
(٦) قواعد التفسير ج ٢/ ص ٦٤٦.
(٧) انظر أمثلة ذلك في الاستنباطات: ٣٤، ٢١٧.
(٨) فتح القدير ج ١/ ص ٤٠٦. وانظر: الاستنباط رقم: ٤٤.

<<  <   >  >>