للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله -جل ثناؤه- أخبر أن الذين يربون الربا في الدنيا، لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. يعني بذلك: يتخبله الشيطان في الدنيا، وهو الذي يتخنقه فيصرعه {مِنَ الْمَسِّ} يعني: من الجنون؛ فدل ذلك بدلالة التضمن على أن الشيطان يسلك في الإنسان فيصرعه؛ لأن من تَخَبُط الشيطان أن يسلك في الإنسان فيصرعه.

تنبيه:

كثيرا ما يذكر المفسرون - ومنهم الشوكاني (١) - لفظ تضمن وهم لا يقصدون به التضمن بمعناه الأصولي. بل ربما عبَّروا عن دلالة الالتزام بلفظ التضمن. ومثال ذلك: ما استنبطه الواحدي (٢) من قوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا … (٢٧)} [الإسراء: ٢٧] حيث قال: (وهذا يتضمن أن المنفق في السرف كفور) (٣).

والأظهر أن هذا المعنى يُستنبط بدلالة الالتزام، فالله تعالى سجل على المبذرين مماثلتهم الشياطين، ثم سجل على جنس الشيطان بأنه كفور؛ فدل بدلالة الالتزام على أن المبذر كفور؛ لأنه مماثل للشيطان وله حكمه، وكل شيطان كفور.


(١) مثل قوله- عند قوله تعالى: ({يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)} [البقرة: ٤٠]-: والرهب والرهبة: الخوف، ويتضمن الأمر به معنى التهديد). فتح القدير ج ١/ ص ٧٤. ومثل قوله: (وقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)} [البقرة: ١١٣] فيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى، ويتضمن ذلك إثباته لنفسها تحجيرا لرحمة الله سبحانه). فتح القدير ج ١/ ص ١٣٠.
(٢) أبو الحسن، علي بن أحمد به محمد بن علي الواحدي النيسابوري، كان واحد عصره في التفسير، صنف التفاسير الثلاثة: البسيط، والوسيط، والوجيز، وأسباب النزول، وله مؤلفات كثيرة في المغازي، العربية، وغيرها، مات سنة ثمان وستين وأربعمائة. انظر: طبقات المفسرين للسيوطي ص ٧٨، وطبقات المفسرين للداودي ج/ ص ٣٨٧.
(٣) التفسير الوجيز ج ٢/ ص ٦٣٢.

<<  <   >  >>