للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر توحيده عز وجل بعد أن توعد الذين يكتمون ما أنزله سبحانه من البينات والهدى. وإذا كانت البينات هي الدالات على الحق المظهرات له. والهدى هو النافع للقلوب الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم (١)؛ فإن أعظم ذلك كله توحيد الله تعالى؛ فدل بدلالة الربط بين الآيات على أن أول ما يجب بيانه، ويحرم كتمانه هو أمر التوحيد.

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والقنوجي. (٢).

قال القرطبي: (لما حذر تعالى من كتمان الحق؛ بين أن أول ما يجب إظهاره، ولا يجوز كتمانه أمر التوحيد. ووصل ذلك بذكر البرهان وعلم طريق النظر، وهو الفكر في عجائب الصنع؛ ليعلم أنه لا بد له من فاعل لا يشبهه شيء) (٣).

وقصد بقوله: (ووصل ذلك بذكر البرهان) قوله تعالى -بعدها-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)} البقرة: ١٦٤.

[وقد تلمس العلماء مناسبات أخرى، منها]

قول البقاعي: (ولا يبعد عندي- وإن بعد المدى- أن تكون الواو في قوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} عاطفة على قوله في أوائل السورة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)} [البقرة: ٢٩] قبل قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} [البقرة: ٣٠]؛ فإن التوحيد هو المقصود بالذات، وعنه تنشأ جميع العبادات، فلما قال أولاً {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: من ٢١]؛ أتبعه في قوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: من ٢١] إلى آخره بوصف هو دليل استحقاقه للعبادة، فلما قام الدليل قال:


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٢٦، وتيسير الكريم الرحمن ج ١/ ص ٧٧.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٢/ ص ١٨٧، وفتح البيان ج ١/ ص ٣٢٣.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ج ٢/ ص ١٨٧.

<<  <   >  >>