للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٦ - رحمة الله بعباده مع الغنى عنهم هي غاية التفضل والتطول (١).

قال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا … أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣)} الأنعام: ١٣٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ} أي: عن خلقه، لا يحتاج إليهم ولا إلى عبادتهم، لا ينفعه إيمانهم، ولا يضره كفرهم. ومع كونه غنيا عنهم فهو ذو رحمة بهم، ولا يكون غناه عنهم مانعا من رحمته لهم. وما أحسن هذا الكلام الرباني وأبلغه، وما أقوى الاقتران بين الغنى والرحمة في هذا المقام، فإن الرحمة لهم مع الغنى عنهم هي غاية التفضل والتطول) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني من الآية أن رحمة الله بعباده مع غناه عنهم هي غاية التفضل والتطول.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما بيَّن غناه عن خلقه قرنه برحمته عز وجل بهم؛ فدل هذا الاقتران على أن رحمة الله بعباده مع غناه عنهم هي غاية التفضل والتطول، إذ لا يكون غناه عنهم مانعا من رحمته لهم، كما أن رحمته ليست من ضعف ولا حاجة.

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والهرري. (٣). وأشار إليه ابن عطية بقوله: (الغنى صفة ذات لله عز وجل؛ لأنه تبارك وتعالى لا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات، ثم تليت هذه الصفة بقوله: ذو الرحمة، فأردف الاستغناء بالتفضل، وهذا أجمل تناسق) (٤).

وهذا الاستنباط مبني على أن لكل اسم من أسماء الله تعالى، وكذلك صفاته معنى، وباقتران اسمين، أو وصفين، أو اسم وصفة يحصل معنى زائد على مفرديهما. فالغنى هنا دل على كمال، والرحمة كذلك دلت على كمال، واقترانهما دل على كمال آخر زائد على الكمال بكل واحد منهما.

وقد اعتنى ابن القيم بهذا النوع من الاقتران، ونبه إليه بقوله: (صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما، نحو: الغني الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد. وهكذا عامة الصفات المقترنة، والأسماء المزدوجة في القرآن، فإن الغنى صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما. وكذلك العفو القدير، والحميد المجيد، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنه من أشرف المعارف) (٥).


(١) وهو استنباط في الرقائق، واستنباط عقدي لتعلقه بباب الوعد والوعيد.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ١٦٤.
(٣) انظر: فتح البيان ج ٤/ ص ٢٤٥، ٢٤٦، وحدائق الروح والريحان ج ٩/ ص ٦٤.
(٤) المحرر الوجيز ص ٦٦٤.
(٥) بدائع الفوائد ج ١/ ص ١٦٨، ١٦٩.

<<  <   >  >>