للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤١ - لم تباشر الملائكة القتال يوم بدر، وإنما كان الإمداد بهم بشرى بالنصر، وطمأنينة للقلوب فحسب (١).

قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦)} آل عمران: ١٢٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (جعل الله ذلك الإمداد بشرى بالنصر، وطمأنينة للقلوب. وفي قصر الإمداد عليهما إشارة إلى عدم مباشرة الملائكة للقتال يومئذ) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- من الآية أن الملائكة لم تباشر القتال يوم بدر، وإنما كان الإمداد بهم بشرى بالنصر، وطمأنينة للقلوب فحسب (٤).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر أنه ما جعل الإمداد بالملائكة إلا بشرى بالنصر، وطمأنينة للقلوب؛ فدل بمفهوم المخالفة- مفهوم الحصر- على عدم مباشرة الملائكة للقتال يومئذ.

وهذا الاستنباط مبني على أن الوعد بنصرة الملائكة كان يوم بدر لا يوم أحد. إذ في قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤)} [آل عمران: ١٢٤] خلاف بين المفسرين هل كان يوم بدر أو أحد؟ على قولين:

أحدهما: أن هذا الوعد متعلق بقوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١)} [آل عمران: ١٢١] وذلك يوم أحد (٥). لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالثلاثة الآلاف، ولا بالخمسة الآلاف؛ لقوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥)}} [آل عمران: ١٢٥] فلم يصبروا؛ فلم يمدوا بملك واحد (٦).


(١) وهو استنباط في السيرة النبوية لتعلقه بغزوة بدر.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٣٧٨.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) إمداد الشخص بما يعينه سبب لسروره وبشارته؛ لقوله: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ}. انظر: تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين ج ٢/ ص ١٤١.
٢) مناسبة ختم الآية بالعزيز الحكيم؛ لأنهما أولى بالذكر في هذا المقام؛ لأن العزيز ينصر من يريد نصره، والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يعطاه. انظر: التحرير والتنوير ج ٣/ ص ٢١٢.
(٤) وقد ذكر الشوكاني هذا الاستنباط أيضا عند قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)} [الأنفال: ٩ - ١٠]، فقال: ({وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ} أي: بالإمداد قلوبكم. وفي هذا إشعار بأن الملائكة لم يقاتلوا، بل أمد الله المسلمين بهم للبشرى لهم، وتطمين قلوبهم، وتثبيتها". فتح القدير ج ٢/ ص ٢٩٠.
(٥) قال ابن كثير: وهو قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والزهري، وموسى بن عقبة، وغيرهم. انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٤١٥. ورجح ابن عثيمين أن يكون في أحد. انظر: تفسير سورة آل عمران ج ٢/ ص ١٣٨.
(٦) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٤١٥.

<<  <   >  >>