للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما قولهم: إنه للتفنن، فالجواب عنه أن يقال: إن التفنن في الخطاب مطلب ممدوح، لكن الكلام الصادر من حكيم لابد أن يكون لحكمة.

قال الشعراوي: وفي الآية التي نحن بصدد الخواطر عنها تجد خلافا في الأسلوب فسبحانه يقول: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} إنه لم يورد الأمر كله مسا، ولم يورده كله إصابة إنه كلام رب حكيم، وعندما نتمعن في المعنى فإن الواحد منا يقول: هذا كلام لا يقوله إلا رب حكيم وحين يقول الحق: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} فمعنى ذلك أن الحسنة الواقعة بسيطة، وليست كبيرة إنها مجرد غنيمة أو قليل من الخير إن الحق يقول: {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} إن الكافرين يفرحون لأي سوء يصيب المؤمنين، مع أنه كان مقتضي الإنسانية أن ينقلب الحاسد راحما:

وحسبك من حادث بامرئ … ترى حاسديه له راحمينا (١)

يعني حسبك من حادث ومصيبة تقع على إنسان أن الذي كان يحسده ينقلب راحما له، إذن فلما تشتد إصابة المؤمنين أكانت تغير من موقف الكافرين؟ لا، كان أهل الكفر يفرحون في أهل الإيمان، وإذا جاء خير أي خير للمؤمنين يحزنون فالحق يقول: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} والحسنة هي أي خير يمسهم مسا خفيفا (٢).

فظهر أن استنباط الشوكاني ومن قال بقوله صحيح، بل هو الأظهر لما تقدم، والله أعلم.


(١) البيت للشاعر أبي عبد الرحمن العتبي من أحفاد عتبة من أبي سفيان، كان علامة راوية للأخبار، تتابعت عليه المصائب في الذكور من ولده في الطاعون الكائن بالبصرة سنة تسع وعشرين ومائتين وقبل ذلك فمات منهم ستة فرثاهم بمراث كثيرة منها قوله:
وكنت أبا ستة كالبدور … فقد فقؤوا أعين الحاسدينا
فمروا على حادثات الزمان .... كمر الدراهم للناقدينا
وحسبك من حادث بامرئ … ترى حاسديه له راحمينا
انظر: معجم الشعراء للمرزباني ص ٤٢٠.
(٢) انظر: خواطري حول القرآن الكريم للشعراوي ج ٣/ ص ١٧٢١، ١٧٢٢.

<<  <   >  >>