للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥ - تكلم أهل العلم والدراسة لكتب الله بما ليس عليه برهان أشد قبحا وأفظع جرما من تكلم غيرهم به (١).

قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)} البقرة: ١١٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقوله: {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} أي: التوراة والإنجيل، … وفي هذا أعظم توبيخ، وأشد تقريع؛ لأن الوقوع في الدعاوى الباطلة، والتكلم بما ليس عليه برهان هو وإن كان قبيحا على الإطلاق، لكنه من أهل العلم والدراسة لكتب الله أشد قبحا، وأفظع جرما، وأعظم ذنبا) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن الوقوع في الدعاوى الباطلة، والتكلم بما ليس عليه برهان من أهل العلم والدراسة لكتب الله أشد قبحا، وأفظع جرما، وأعظم ذنبا.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى بيَّن أن كل طائفة من اليهود والنصارى تنفي الخير عن الأخرى، ويتضمن ذلك إثباته لنفسها، ثم ذكر الله حالهم بقوله تعالى: {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ}؛ فدل بدلالة التقييد على أن الوقوع في الدعاوى الباطلة، والتكلم بما ليس عليه برهان هو وإن كان قبيحا على الإطلاق، لكنه من أهل العلم والدراسة لكتب الله أشد قبحا، وأفظع جرما، وأعظم ذنبا.

ووافقه على هذا الاستنباط: القنوجي (٣)، وابن عثيمين حيث ذكر أن من فوائد الآية: شدة قبح قول من خالف الحق وهو يعلمه، فهذه الجملة تفيد زيادة قبح ما قالوه … ولا ريب أن الذي ينكر الحق مع العلم به أعظم قبحا من الذي ينكر الحق مع الجهل به، لأن هذا معاند مكابر بخلاف الجاهل، فالجاهل ينكر الحق للجهل به، ثم إذا تبين له الحق اتبعه إذا كان المانع له من اتباعه الجهل، لكن العالم لا عذر له (٤).

واستنبط غيره أن مجيء الجملة الحالية للنعي عليهم في مقالتهم تلك؛ إذ الكتاب ناطق بخلاف ما يقولونه (٥)، ولمزيد التعجب من حالهم أن يقولوا ذلك وكل فريق منهم يتلون الكتاب، وكل كتاب يتلونه مشتمل على الحق لو اتبعه أهله حق اتباعه (٦).


(١) وهو استنباط تربوي.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ١٣٠.
(٣) انظر: فتح البيان ج ١/ ص ٢٥٦.
(٤) انظر: تفسير سورة البقرة ج ١/ ص ٣٧٤، ٣٧٥.
(٥) انظر: البحر المحيط ج ١/ ص ٥٠٨.
(٦) انظر: جواهر الأفكار ص ٣١٧، والتحرير والتنوير ج ١/ ص ٦٥٨.

<<  <   >  >>