للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١ - النهي لأن راعنا بمعنى فاعلنا، أي: أرعنا نرعك. وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه، وقد حض الله تعالى على خفض الصوت عنده وتعزيره وتوقيره.

٢ - النهي لأن راعنا من أرعنا سمعك، أي: فرغ سمعك لكلامنا. وفي المخاطبة بهذا جفاء (١).

فلفظ (راعنا) على هذين الوجهين من الرعاية. وهذان الوجهان وإن لم يبلغ معهما لفظ (راعنا) أن يكون سبا، لكن فيهما نوع تنقص وجفاء - وإن لم يقصده المتكلم- كره الله أن يُخَاطَب به نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ لذا جاء الأمر باختيار ألفاظ لا شبهة فيها، ولا تنقص.

ومما يؤكد صحة هذا الاستنباط أن القرآن حث على استعمال أحسن اللفظين الحسنين؛ فمن باب أولى حثه على استعمال الألفاظ التي لا شبهة فيها، وطرح ما كان فيه أدنى شبهة. وهذا كله موجب لسعادة الدارين.

قال السعدي-رحمه الله-: "وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة؛ فقال: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: ٥٣] وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله، من قراءة، وذكر، وعلم، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين؛ فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح؛ فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره" (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط الجصاص (٣)، والسمعاني (٤)، وابن العربي، والقرطبي، والبروسوي، والقنوجي، والسعدي، ومحمد أبو زهرة، وابن عثيمين. (٥).


(١) انظر: المحرر الوجيز ص ١١٩، والتفسير الكبير ج ٣/ ص ٢٠٣، والجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٥٦.
(٢) تيسير الكريم الرحمن ص ٤٦٠.
(٣) واستنباطه أدق إذ لم يجوز استعمال اللفظ المحتمل للخير والشر إلا إن قيد بما يفيد الخير، ففيه زيادة على استنباط الشوكاني ومن وافقه. قال: كل لفظ احتمل الخير والشر فغير جائز إطلاقه حتى يقيد بما يفيد الخير. انظر: أحكام القرآن ج ١/ ص ٧١، ٧٢.
(٤) أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، الحنفي، ثم الشافعي، مفتي خراسان، صنف في الفقه والتفسير، والحديث، والأصول، توفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة للهجرة. انظر: سير أعلام النبلاء ج ١٩، ص ١١٤ - ١١٩، وطبقات المفسرين للداودي ج، ٢، ص ٣٣٩، ٣٤٠.
(٥) انظر: تفسير القرآن العزيز ج ١/ ص ١٢٠، وأحكام القرآن ج ١/ ص ٥٣، والجامع لأحكام القرآن ج ٢، ص ٥٦، وروح البيان ج ١/ ص ١٩٩، وفتح البيان ج ١/ ص ٢٤٣، وتيسير الكريم الرحمن ص ٦١، وزهرة التفاسير ج ١/ ص ٣٤٧، وتفسير سورة البقرة ج ١/ ص ٣٣٩.

<<  <   >  >>