للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والهرري. (١).

وخالف ابن عاشور في كون للآية مفهوم، فقال: وليس المراد بالحال تقييد الحكم حتى يكون مفهومه جواز أذى المؤمنين والمؤمنات بما اكتسبوا، أي أن يُسبوا بعمل ذميم اكتسبوه؛ لأن الجزاء على ذلك ليس موكولا لعموم الناس، ولكنه موكول إلى ولاة الأمور كما قال تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)} [النساء: ١٦] (٢).

ويمكن الجمع بين القولين بأن للآية مفهوما دالا على أن الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبوه ليست من الأذية المحرمة شرط ألا تتجاوز ما شرعه الله. ولا يلزم من القول بصحة هذا الاستنباط أن يفتئت الناس على ولي الأمر في أخذ حقوقهم، ومجازاة من ظلمهم فيما هو من شأن ولي الأمر، وأما ما دون ذلك فجائز لهم شرط ألا يكون فيه عدوان.

وقد قال الشوكاني في آخر استنباطه (ما لم يجاوز ما شرعه الله) وهذا الشرط يتضمن ما ذكره ابن عاشور؛ فإن عموم الناس إن جازَوا فيما هو من حق ولي الأمر كان ذلك مجاوزة للشرع.

والإيذاء في بعض المواضع حق، ولذا جاء هذا القيد هنا ولم يُذكر في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧)} [الأحزاب: ٥٧].

قال الزمخشري: (وأطلق إيذاء الله ورسوله، وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات؛ لأن أذى الله ورسوله لا يكون إلا غير حق أبدا، وأما أذى المؤمنين والمؤمنات فمنه، ومنه) (٣).

١٨١ - الزجر عن التقليد (٤).

قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧)} الأحزاب: ٦٧.

قال الشوكاني-رحمه الله-: ({وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧)} … والمراد بالسادة والكبراء هم الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم. وفي هذا زجر عن التقليد شديد. وكم في الكتاب العزيز من التنبيه علي هذا، والتحذير منه، والتنفير عنه، ولكن لمن يفهم معنى كلام الله، ويقتدي به، وينصف من نفسه، لا لمن هو من جنس الأنعام في سوء الفهم، ومزيد البلادة، وشدة التعصب) (٥).


(١) انظر: فتح البيان ج ١١/ ص ١٤٢، وحدائق الروح والريحان ج ٢٣/ ص ١٣٤.
(٢) انظر: التحرير والتنوير ج ٢١/ ص ٣٢٧.
(٣) الكشاف ج ٣/ ص ٥٦٩.
(٤) وهو استنباط أصولي.
(٥) فتح القدير ج ٤/ ص ٣٠٦.

<<  <   >  >>