للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من الآية نهي الولد عن سائر ما يؤذي والديه من فعل أو قول كان مساويا لكلمة (أف)، أو أشد منها.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى نهى الولد عن أن يقول لوالده كلمة أف الدالة على السأم والضجر؛ فكل ما ساوى هذه الكلمة فهو منهي عنه بلحن الخطاب، أي: مفهوم الموافقة الذي المسكوت فيه مساو لحكم المنطوق.

قال ابن عطية: (وجعل الله تعالى هذه اللفظة مثالا لجميع ما يمكن أن يقابل به الآباء مما يكرهون، فلم ترد هذه في نفسها وإنما هي مثال الأعظم منها والأقل، فهذا هو مفهوم الخطاب الذي المسكوت عنه حكمه حكم المذكور) (١).

وكل ما كان أشد منها من قول أو فعل كالضرب والحبس وغيرهما فهو منهي عنه بفحوى الخطاب، أي: مفهوم الموافقة الذي المسكوت فيه أولى بالحكم من المنطوق.

قال السيوطي: (وأشار بالنهي عن ذكر (أف) إلى تحريم ما فوقه بطريق الأولى) (٢).

وقال الشنقيطي: (فالضرب المسكوت عنه أولى بالحكم الذي هو التحريم من التأفيف المنطوق به، مع القطع بنفي الفارق) (٣).

وكذلك استنبط الطوفي، وابن عاشور، ومحمد أبو زهرة (٤) حكم المسكوت عنه الذي هو أولى بالحكم من المنطوق.

فالآية إذاً دلت على النهي عن سائر ما يؤذي الوالدين من قول وفعل سواء أكان مساو لكلمة الأف، أو أشد منها.

وقد نقل هذا الاستنباط القنوجي (٥).

وفي هذا الاستنباط مزية الجمع بين استنباط حكم المسكوت عنه المساوي لحكم المنطوق، والمسكوت عنه الذي هو أولى بالحكم من المنطوق؛ فإنه لم يقتصر على أحدهما.

١٣٣ - المبذر كفور (٦).

قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧)} الإسراء: ٢٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي هذه الآية تسجيل على المبذرين بمماثلة الشياطين، ثم التسجيل على جنس الشيطان بأنه كفور، فاقتضى ذلك أن المبذر مماثل للشيطان، وكل مماثل للشيطان له حكم الشيطان، وكل شيطان كفور، فالمبذر كفور) (٧).


(١) المحرر الوجيز ص ١١٣٧.
(٢) الإكليل ج ٢/ ص ٩١٤،
(٣) أضواء البيان ج ٣/ ص ١١٨. قاله في سورة الأنبياء.
(٤) انظر: الإشارات الإلهية ج ٢/ ص ٣٩٣، والتحرير والتنوير ج ١٤/ ص ٥٧، وزهرة التفاسير ج ٨/ ص ٤٣٦٢.
(٥) انظر: فتح البيان ج ٧/ ص ٣٧٦.
(٦) وهو استنباط فائدة علمية.
(٧) فتح القدير ج ٣/ ص ٢٢١.

<<  <   >  >>