للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والقنوجي، والبروسوي. (١).

وهذا الاستنباط مبني على أن معنى التخليف هو الإرجاء.

قال ابن جرير الطبري: (فتأويل الكلام إذا، ولقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفهم الله عن التوبة، فأرجأهم عمن تاب عليه ممن تخلف عن رسول الله) (٢).

وهو التفسير الذي فسر به كعب بن مالك -رضي الله عنه- في حديثه المروي في الصحيح (٣)، فقال: "وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، وإنما تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه".

وإنما جاز هنا الهجران فوق ثلاثة أيام؛ لأنه لحق الله لا لشيء من الأمور الدنيوية، وحظوظ النفس، ولأن فيه صلاحا لدين المهجور، فيُهجر حتى تظهر توبته.

قال البروسوي: إذا كان المهجور مذموم الحال لبدعة، أو فسق، أو نحوهما؛ فإنه لا يحرم الهجران إلى ظهور التوبة؛ لأنه لحق الله لما كان في جانب الدين، فيجوز فوق ثلاثة أيام، ولا يجوز الزيادة عن الثلاثة فيما كان بينهم من الأمور الدنيوية، وحظوظ النفس. وإنما عفي عنه في الثلاثة؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب فعفي عن الهجر في الثلاثة ليذهب ذلك العارض (٤).

٩٨ - حصل للثلاثة (٥) الذين خلفوا ما حصل من توبة الله عليهم بالصدق (٦)

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} التوبة: ١١٩.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} هذا الأمر بالكون مع الصادقين بعد قصة الثلاثة فيه الإشارة إلى أن هؤلاء الثلاثة حصل لهم بالصدق ما حصل من توبة الله، وظاهر الآية الأمر للعباد على العموم) (٧).


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٨/ ص ٢٦١، وفتح البيان ج ٥/ ص ٤١٩، وروح البيان ج ٣/ ص ٥٥٣.
(٢) جامع البيان ج ١٢/ ص ٥٤.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: حديث كعب بن مالك، وقول الله عز وجل: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، رقم: ٤١٥٦، ج ٤/ ص ١٦٠٣ - ١٦٠٨، وأخرجه مسلم في كتاب: التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: ٢٧٦٩، ج ٤/ ص ٢١٢٠ - ٢١٢٧.
(٤) انظر: روح البيان ج ٣/ ص ٥٥٣.
(٥) وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع -رضي الله عنهم-.
(٦) وهو استنباط تربوي، واستنباط في علوم القرآن (لتعلقه بقصص القرآن) أيضا.
(٧) فتح القدير ج ٢/ ص ٤١٤.

<<  <   >  >>