للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال السيوطي: (فيها وجوب الحضور على من دعي لحكم الشرع، وتحريم الامتناع، واستحباب أن يقول: سمعنا وأطعنا) (١).

وذكر الشوكاني أنه يشترط في ذلك أن لا يكون القاضي مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنة، ولا يعقل حجج الله ومعاني كلامه وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن كان جاهلا جهلا بسيطا وهو من لا علم له بشيء من ذلك، أو جهلا مركبا وهو من لا علم عنده بما ذكر، ولكنه قد عرف بعض اجتهادات المجتهدين، واطلع على شيء من علم الرأي، فهذا في الحقيقة جاهل وإن اعتقد أنه يعلم بشيء من العلم، فاعتقاده باطل، فمن كان من القضاة هكذا فلا تجب الإجابة إليه؛ لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه، بل هو من قضاة الطاغوت وحكام الباطل (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: إلكيا، والقرطبي، والسيوطي-كما تقدم-، والقنوجي. (٣).

وهذا الاستنباط يشكل عليه أن الممتنعين عن قبول حكم الله ورسوله الذين ذمهم الله كان امتناعهم عن كفر ونفاق، فلا يصح القول بأن كل ممتنع يدخل في حكمهم. قال ابن عاشور: (ولا تعلق لهذه الآية بحكم من دعي إلى القاضي للخصومة فامتنع؛ لأن الذم والتوبيخ فيها كانا على امتناع ناشئ عن كفرهم ونفاقهم) (٤). إلا إن يكون سبب امتناعه الامتناع من قبول حكم الشرع فيعمه.

١٦١ - الاستئذان في التخلف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمر جامع (٥) إن كان لعذر مسوغ فلا يخلو عن شائبة تأثير أمر الدنيا على الآخرة (٦).

قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢)} النور: ٦٢.


(١) الإكليل ج ٣/ ص ١٠٣٧.
(٢) انظر: فتح القدير ج ٤/ ص ٤٥.
(٣) انظر: أحكام القرآن ج ٤/ ص ٣٢٠، والجامع لأحكام القرآن ج ١٢/ ص ٢٦٩، والإكليل ج ٣/ ص ١٠٣٧، وفتح البيان ج ٩/ ص ٢٤٩.
(٤) التحرير والتنوير ج ١٨/ ص ٢١٨.
(٥) المراد بالأمر الجامع ما للإمام من حاجة إلى تجمع الناس فيه لإذاعة مصلحة من إقامة سنة في الدين، أو لترهيب عدو باجتماعهم، فهو يجمع جميعهم من حرب حضرت، أو صلاة اجتمع لها، أو تشاور في أمر نزل، ونحو ذلك. انظر: جامع البيان ج ١٧/ ص ٣٨٥، والجامع لأحكام القرآن ج ١٢/ ص ٢٩٣.
(٦) وهو استنباط فقهي أو عقدي لأنه في باب الطاعة ولزوم الجماعة، واستنباط في علوم القرآن من جهة معرفة مناسبة ختم الآية بما يناسبها.

<<  <   >  >>