للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وجيء بكلمة الإطماع لتأكيد أمر الهجرة حتى يظن أن تركها ممن لا تجب عليه يكون ذنبا يجب طلب العفو عنه) (١).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من الآية أن مناسبة مجيء كلمة الإطماع (عسى) لتأكيد أمر الهجرة.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى بعد أن ذكر أصحاب الأعذار المعفو عنهم في أمر الهجرة من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان قال: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} فجاء بكلمة الإطماع؛ لتأكيد أمر الهجرة حتى يظن أن تركها ممن لا تجب عليه يكون ذنبا يجب طلب العفو عنه. فدلالة الآية على المعنى هي مناسبة لفظ عسى.

قال البيضاوي: (ذكر بكلمة الإطماع ولفظ العفو إيذانا بأن ترك الهجرة أمر خطير، حتى إن المضطر -الذي تحقق عدم وجوبها عليه- من حقه أن لا يأمن، ويترصد الفرصة، ويعلق بها قلبه) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: الزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي. (٣).

ومعلوم أن عسى من الله واجبة (٤)، باعتباره منسوبا إلى الله (٥)، لكن المقصود هنا النظر إلى الرجاء باعتبار ما يكون في قلب المخاطَب (٦)، ومناسبة مجيء كلمة الإطماع (عسى) في هذا المقام -وهي لا تعطي الإنسان يقينا بالوقوع- دون الألفاظ الدالة على القطع.

واستنبط غيره مناسبة مجيء كلمة الإطماع هنا:

فذكر السعدي أنها للدلالة على أن العبد لا يوفي العمل حق توفيته، ولا يعمله على الوجه اللائق الذي ينبغي، بل يكون مقصرا (٧).


(١) فتح القدير ج ١/ ص ٥٠٥.
(٢) وروح المعاني ج ٥/ ص ١٢٧.
(٣) انظر: الكشاف ج ١/ ص ٥٨٩، وأنوار التنزيل ج ٢/ ص ٢٤٣، وإرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ٢٢٤، وروح المعاني ج ٥/ ص ١٢٧، وفتح البيان ج ٣/ ص ٢١٦.
(٤) قال السمعاني: (وعسى من الله واجب؛ لأنه للإطماع، والله تعالى إذا أطمع عبدا أوجب له، وأوصله إليه). تفسير القرآن العزيز ج ١/ ص ٤٧٠.
(٥) أي: أن الله وعدهم بأن يعفو عنهم. انظر: تفسير سورة النساء لابن عثيمين ج ٢/ ص ١٢٢.
(٦) المصدر السابق ج ٢/ ص ١٢٢. وقال ابن عطية: ثم رجى الله تعالى هؤلاء بالعفو عنهم، و عسى من الله واجبة؛ إما لأنها دالة على ثقل الأمر المعفو عنه، قال الحسن: عسى من الله واجبة. قال غيره: هي بمنزلة الوعد إذ ليس يخبر ب عسى عن شك ولا توقع، وهذا يرجع إلى الوجوب. قال آخرون: هي على معتقد البشر، أي: ظنكم بمن هذه حالة ترجى عفو الله عنه. انظر: المحرر الوجيز ص ٤٧٢.
(٧) انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ١٩٦.

<<  <   >  >>