للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكنها وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموا من شأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصفاته؛ فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله من البينات الدالات على الحق المظهرات له، والهدى وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم (١). فالآية عامة لأن عموم الحكم لا يأبى خصوص السبب (٢). وفيها وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة، والهدى النافع للقلوب، من بعد ما بينه الله تعالى لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله (٣).

وقد فهم الصحابة -رضي الله عنهم- العموم؛ لذا قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله؛ ما حدثت حديثا، ثم يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} إلى قوله الرحيم. إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون" (٤).

والوعيد المذكور في الآية إنما هو لقاصد كتمان العلم. فإذا قصد العالم كتمان العلم؛ عصى، وإن لم يقصده؛ لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه مع غيره. وأما من سئل؛ فقد وجب عليه التبليغ؛ لهذه الآية (٥).

[ويجوز الكتمان في مواطن، منها]

[١ - إذا خاف على نفسه.]

ودليله حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتقدم-"حفظت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم". (٦)

قال القرطبي: (وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف).

ثم قال: وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة -رضي الله عنه-، وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن، والنص على أعيان المرتدين والمنافقين ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى (٧).


(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن ج ١/ ص ٧٧.
(٢) انظر: إرشاد العقل السليم ج ١/ ص ١٨٢.
(٣) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٢٦.
(٤) رواه البخاري في كتاب: العلم، باب: حفظ العلم، ح: ١١٨، ج ١/ ص ٥٥.
(٥) انظر: أحكام القرآن لابن العربي ج ١، ص ٧٣، والجامع لأحكام القرآن ج ٢/ ص ١٨٢، واللباب في علوم الكتاب ج ٣/ ص ١٠٥.
(٦) انظر: المحرر الوجيز ص ١٤٨.
(٧) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٢/ ص ١٨٣.

<<  <   >  >>