للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من التقييد: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)} أمورا:

أولها: أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل.

ثانيها: أن الكفر المتضمن على اللبس، والكتمان عن علم أغلظ للذنب، وأوجب للعقوبة.

ثالثها: ألا يفهم من تقييد النهي عن اللبس والكتمان بالعلم جواز اللبس والكتمان مع الجهل؛ لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء حتى يعلم بحكمه، خصوصا في أمور الدين.

ووجه الاستنباط: أن الله نهى اليهود عما كانوا يتعمدونه من تلبيس الحق بالباطل، وتمويهه به، وكتمانهم الحق وإظهارهم الباطل، ثم ذكر حالهم بقوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)} أي: فلا يناسب من كان عالما أن يكتم الحق، ويلبسه بالباطل؛ فدل التقييد على أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل.

والحال هنا أبلغ في النهي؛ لأن صدور ذلك من العالِم أشد (١) فلما كانوا عالمين بما في التلبيس من المفاسد كان إقدامهم عليه أقبح (٢)؛ وعقوبتهم أشد.

فهذه الحال وإن كان ظاهرها أنها قيد في النهي عن اللبس والكتم، فلا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل، وإنما فائدتها: أن الإقدام على الأشياء القبيحة مع العلم بها أفحش من الإقدام عليها مع الجهل بها (٣).

ورأى آخرون منهم: الزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، والآلوسي، والهرري (٤)، أن التقييد لزيادة تقبيح حالهم، إذ الجاهل قد يعذر.

وما ذكروه له وجه، لكن ما ذكره الشوكاني أدق إذ نبه على أن الجاهل بما ينبغي عليه معرفته لا يعذر بجهله خصوصا في أمر الدين.

وممن قال باستنباط الشوكاني الأول: القرطبي، والقنوجي. (٥).

وقال بالثاني، والثالث: ابن عطية، والرازي، والقرطبي، وأبو حيان، والقنوجي، وابن عاشور. (٦).

وفي هذا الاستنباط تحذير لكل مقترف لذنب عالم بحكمه، فإن عقوبة العالم أشد.


(١) انظر: التحرير والتنوير ج ١/ ص ٤٥٦.
(٢) انظر: التفسير الكبير ج ٣/ ص ٤١.
(٣) انظر: البحر المحيط ج ١/ ص ٢٦٢.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٣٨٢، وفتح البيان ج ١/ ص ١٥٠، ١٥١
(٥) انظر: الكشاف ج ١/ ص ١٦١، وأنوار التنزيل ج ١/ ص ٣١٤، وإرشاد العقل السليم ج ١/ ص ٩٦، وروح المعاني ج ١/ ص ٢٤٦، وحدائق الروح والريحان ج ١/ ص ٣٩٥.
(٦) انظر: المحرر الوجيز ص ٨٢، والتفسير الكبير ج ٣/ ص ٤١، والجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٣٨٢، والبحر المحيط ج ١/ ص ٢٦٢، وفتح البيان ج ١/ ص ١٥٠، ١٥١، والتحرير والتنوير ج ١/ ص ٤٥٦.

<<  <   >  >>