للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم إن القول في هذا الموضع بمفهوم المخالفة معارض بالأدلة على أن الملائكة قاتلت ببدر، وقد تظاهرت الروايات على أن الملائكة حضرت بدرا وقاتلت كما قال ابن عطية والقرطبي (١). وقد سبق بيان هذه الأدلة عند قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦)} [آل عمران: ١٢٦].

٨٢ - الفرار من الزحف من الكبائر الموبقة (٢).

قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} الأنفال: ١٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (والمعنى: من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من الله إلا المتحرف والمتحيز. {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} أي: المكان الذي يأوي إليه هو النار، فقراره أوقعه إلى ما هو أشد بلاء مما فر منه، وأعظم عقوبة. والمأوى: ما يأوي إليه الإنسان. {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} ما صار إليه من عذاب النار. وقد اشتملت هذه الآية على هذا الوعيد الشديد لمن يفر عن الزحف، وفي ذلك دلالة على أنه من الكبائر الموبقة) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني من الآية أن الفرار من الزحف من الكبائر الموبقة.

ووجه الاستنباط: أن الله نهى عن الفرار من الزحف وتوعد عليه بوعيدين، فدل بدلالة تأمل وعيد الله تعالى، على أن الفرار من الزحف من الكبائر الموبقة.

قال السعدي: ({وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ} أي: رجع {بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} وهذا يدل على أن الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد) (٤).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن العربي، والقرطبي، والسيوطي، والقنوجي، والقاسمي، والسعدي-كما تقدم-، وابن عاشور. (٥).


(١) انظر: المحرر الوجيز ص ٣٥٢، والجامع لأحكام القرآن ج ٤/ ص ١٨٨، ١٨٩.
(٢) وهو استنباط فقهي.
(٣) فتح القدير ج ٢/ ص ٢٩٤.
(٤) تيسير الكريم الرحمن ص ٣١٧.
(٥) انظر: أحكام القرآن ج ٢/ ص ٢٩٧، والجامع لأحكام القرآن ج ٧، ص ٣٣٤، والإكليل ج ٢/ ص ٧٨٢، وفتح البيان ج ٥/ ص ١٤٧، ومحاسن التأويل ج ٥/ ص ٢٦٨، وتيسير الكريم الرحمن ص ٣١٧، والتحرير والتنوير ج ٩/ ص ٤٨.

<<  <   >  >>