للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخالف آخرون- فقالوا: حكم الفرار من الزحف ليس بكبيرة- إذ جعلوا الفرار يوم الزحف مخصوصا بيوم بدر، فروي ذلك عن جماعة من السلف (١)، وهو قول أبي حنيفة. (٢). واحتجوا بحجتين:

الأولى: أن قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ} هو إشارة إلى يوم بدر، وأنه نسخ حكم الآية بآية الضعف (٣)، وبقي حكم الفرار من الزحف ليس بكبيرة. وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله عنهم، وقال الله فيهم يوم حنين: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)} [التوبة: ٢٥]، ولم يقع على ذلك تعنيف.

وقد رد الجمهور على هذه الحجة ببيان أن قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ} إنما ذلك إشارة إلى يوم الزحف الذي يتضمنه قوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ} [الأنفال: ٤٥] (٤). وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله تعالى في آية أخرى، وليس في الآية نسخ، والدليل عليه أن الآية نزلت بعد القتال وانقضاء الحرب وذهاب اليوم بما فيه. وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي، وأكثر العلماء. (٥).


(١) فروي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، ونافع، والحسن، وقتادة، ويزيد بن أبي حبيب، والضحاك. انظر: جامع البيان ج ١١/ ص ٧٨ - ٨١، وتفسير ابن أبي حاتم ج ٥/ ص ١٦٧٠ وما بعدها، وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢/ ص ٢٩٧، والجامع لأحكام القرآن ج ٧، ص ٣٣٤، و ٣٣٥، وتفسير القرآن العظيم ج ٤/ ص ١٧٣، ١٧٤، والدر المنثور ج ٤/ ص ٣٧.
(٢) انظر: أحكام القرآن لابن العربي ج ٢/ ص ٢٩٧، والجامع لأحكام القرآن ج ٧، ص ٣٣٤.
(٣) هي قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)} الأنفال: ٦٦.
(٤) وتمام الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)} الأنفال: ٤٥.
(٥) انظر حججهم والرد عليها في أحكام القرآن لابن العربي ج ٢/ ص ٢٩٧، والجامع لأحكام القرآن ج ٧، ص ٣٣٤، و ٣٣٥.

<<  <   >  >>