للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الفتح]

١٩٣ - مناسبة تقديم إدخال المؤمنين الجنة على تكفير سيئاتهم مع أن الأمر بالعكس (١).

قال تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (٥)} الفتح: ٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقدم الإدخال على التكفير مع أن الأمر بالعكس؛ للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى والمقصد الأسنى) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- أن مناسبة تقديم إدخال المؤمنين الجنة على تكفير سيئاتهم المسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى والمقصد الأسنى.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قدم في الآية ذكر إدخال المؤمنين الجنة على تكفير سيئاتهم مع أن مع أن الترتيب في الوجود على العكس من حيث إن التخلية قبل التحلية؛ فدل بدلالة التقديم على المسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى والمقصد الأسنى.

وممن قال بهذا الاستنباط: أبو السعود، والبروسوي، والآلوسي، والقنوجي، والهرري. (٣).

١٩٤ - المنافقون أشد عذابا من المشركين (٤).

قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٦)} الفتح: ٦

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي تقديم المنافقين على المشركين دلالة على أنهم أشد منهم عذابا، وأحق منهم بما وعدهم الله به) (٥).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- أن المنافقين أشد عذابا من المشركين.

ووجه الاستنباط: أن الله توعد المنافقين والمشركين، فقدم المنافقين في الذكر؛ فدل بدلالة التقديم على أن المنافقين أشد عذابا من المشركين؛ لأن المنافقين كانوا أشد ضررا على المؤمنين من الكافرين المجاهرين (٦)؛ لأن الكافر يمكن أن يُحترز منه، ويُجاهد؛ لأنه عدو مبين، فيتوقي المؤمن من شره، والمنافق لا يمكن أن يُحترز منه، ولا يُجاهد؛ لأنه يُختلط؛ لظنه إيمانه فيفشي سره، فلهذا كان شره أكثر من شر الكافر، فكان تقديم المنافق بالذكر أولى.


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ٥/ ص ٤٥.
(٣) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٨/ ص ١٠٥، وروح البيان ج ٩/ ص ١٤، وروح المعاني ج ٢٦/ ص ٩٣، وفتح البيان ج ١٣/ ص ٩٠، وحدائق الروح والريحان ج ٢٧/ ص ٢٣٥.
(٤) وهو استنباط عقدي لتعلقه بالإيمان والوعد والوعيد.
(٥) فتح القدير ج ٥/ ص ٤٥.
(٦) قال الرازي: واعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في الذكر في كثير من المواضع لأمور: أحدها: أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر؛ لأن المؤمن كان يتوقي المشرك المجاهر، وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه، وهو كان يفشي أسراره. ولأن المنافق كان يظن أن يتخلص للمخادعة، والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلب يفديه، فأول ما أخبر الله أخبر عن المنافق. التفسير الكبير ج ٢٨/ ص ٧٣. وانظر مثله في اللباب ج ١٧/ ص ٤٨٤.

<<  <   >  >>