للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أيضا: الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة هو ما كان عليه خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وقد كانوا - رحمهم الله وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم-يُمرون أدلة الصفات على ظاهرها، ولا يتكلفون علم ما لا يعلمون، ولا يتأولون، وهذا المعلوم من أقوالهم، وأفعالهم، والمتقرر من مذاهبهم، لا يشك شاك في ذلك، ولا ينكره منكر، ولا يجادل فيه مجادل، وإن نزع بينهم نازع، أو نجم في عصرهم ناجم؛ أوضحوا للناس أمره؛ وبينوا لهم أنه على ضلالة، وصرحوا بذلك له في المجامع والمحافل (١).

وقد وافق الشوكاني السلف في جميع أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، ولم يخالفهم إلا في مسائل قليلة، وكان رأيه في بعضها مضطربا بين كتاب وآخر كما في بعض الصفات. وتلك المسائل هي:

[أولا: في توحيد الألوهية]

أجاز التوسل بالذات والجاه، وجعله كالتوسل بالعمل الصالح (٢)، وهذا مخالف لما قرره ودعا إليه في عدد من كتبه من محاربة الشرك وسد الذرائع المؤدية إليه (٣).

[ثانيا: في أسماء الله تعالى]

ذهب إلى جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته، سواء ورد التوقيف بها أو لم يرد، قال- عند شرح حديث"كانت يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ومقلب القلوب" (٤) -: (والمراد بتقليب القلوب تقليب أحوالها لا ذواتها، وفيه جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته على وجه يليق به) (٥). لكنه لم يطبق هذه القاعدة في شيء من كتبه (٦).

[ثالثا: في صفات الله تعالى]

١) … أوَّل بعض الصفات في تفسيره تأويلا أشعريا. والصفات التي أولها هي:

الوجه (٧)، والعين (٨)، واليد (٩)، والعلو (١٠)، والمجيء (١١)،


(١) انظر: التحف في مذاهب السلف ص ١٧.
(٢) انظر: الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ص ٤٥، ٤٦. وانظر مناقشة قوله في: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٣١١ - ٣٣٨.
(٣) انظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٨٥٦.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب: الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي -صلى الله عليه وسلم-، رقم: ٦٢٥٣، ج ٦/ ص ٢٤٤٥.
(٥) نيل الأوطار ج ٩/ ص ١٢٢.
(٦) انظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٨٥٦.
(٧) قال عند قوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)} [القصص: ٨٨]: (أي إلا ذاته). فتح القدير ج ٤/ ص ١٨٩. وانظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٤٣٣ - ٤٣٦.
(٨) قال عند قوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)} [المؤمنون: ٢٧]: (أي: اعمل السفينة متلبسا بأعيننا، أي: بمرأى منا، والمراد: بحراستنا لك، وحفظنا لك، وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلة الرؤية، والرؤية هي التي تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب). فتح القدير ج ٢/ ص ٤٩٧. وانظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٤٣٦ - ٤٣٩.
(٩) قال عند قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ … شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} [الملك: ١]: (واليد مجاز عن القدرة والاستيلاء). فتح القدير ج ٥/ ص ٢٥٨. وانظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٤٤٠ - ٤٤٧.
(١٠) قال عند قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ … السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)} [البقرة: ٢٥٥]: (والعلي: يراد به علو القدرة والمنزلة). فتح القدير ج ١/ ص ٢٧٢. وانظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٤٢٥ - ٤٣٣.
(١١) قال عند قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢]: (أي: جاء أمره وقضاؤه وظهرت آياته). فتح القدير ج ٥/ ص ٤٤٠. وانظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٤٥٤ - ٤٦٠.

<<  <   >  >>