للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١١٢ - جواز أن يصف الإنسان نفسه بالأوصاف التي لها (١).

قال تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)} يوسف: ٥٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} وفيه دليل على أنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق ويهدم ما أمكنه من الباطل طلب ذلك لنفسه، ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التي لها ترغيبا فيما يرومه وتنشيطا لمن يخاطبه من الملوك بإلقاء مقاليد الأمور إليه وجعلها منوطة به، ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- من النهي عن طلب الولاية والمنع من تولية من طلبها أو حرص عليها) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- جواز أن يصف الإنسان نفسه بالأوصاف التي لها.

ووجه الاستنباط: أن يوسف -عليه السلام- وصف نفسه بالعلم والحفظ؛ فدل ذلك بدلالة الاقتداء بأفعال الأنبياء على جواز أن يصف الإنسان نفسه بالأوصاف التي لها.

وممن قال بهذا الاستنباط: القصاب، والجصاص، وإلكيا، والقرطبي، وابن جزي، والآلوسي، والقنوجي. (٤).

وجواز مدح الإنسان نفسه يقيد بأن يكون إذا جهل أمره، وأن يكون بالحق، وأن يكون ذلك لفائدة.

قال ابن جزي: (ويستدل بذلك أنه يجوز للرجل أن يعرف بنفسه ويمدح نفسه بالحق إذا جهل أمره، وإذا كان في ذلك فائدة) (٥).

وقال ابن عثيمين -عند قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} [البقرة ٣٠]-: (وصف الإنسان نفسه بما فيه من الخير لا بأس به إذا كان المقصود مجرد الخبر دون الفخر لقوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}، ويؤيد ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" (٦)، وأما إذا كان المقصود الفخر، وتزكية النفس بهذا فلا يجوز؛ لقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} (٧) [النجم: من الآية ٣٢]) (٨).


(١) وهو استنباط فقهي، واستنباط في علوم القرآن (لتعلقه بقصص الأنبياء).
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ٣٥.
(٣) واستنبط غيره جواز تسمية المخلوقين بأسماء الخالق؛ فالحفيظ والعليم من أسماء الله. انظر: نكت القرآن ج ١/ ص ٦١٨.
(٤) انظر: نكت القرآن ج ١/ ص ٦١٨، وأحكام القرآن ج ٤/ ص ٣٨٩، وأحكام القرآن ج ٤/ ص ٢٣٢، والجامع لأحكام القرآن ج ٩/ ص ١٨٣، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٢/ ص ١٢٢، وروح المعاني ج ١٣/ ص ٥، وفتح البيان ج ٦/ ص ٢٥٧.
(٥) التسهيل لعلوم التنزيل ج ٢/ ص ١٢٢.
(٦) أخرجه مسلم -بدون لفظ ولا فخر- في كتاب: الفضائل، باب: تفضيل -صلى الله عليه وسلم- على جميع الخلائق، رقم: ٢٢٧٨، ج ٤/ ص ١٧٨٢.
(٧) وتمامها: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ … الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)}.
(٨) تفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ١١٧، ١١٨.

<<  <   >  >>