للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال القرطبي: يوسف -عليه السلام- إنما طلب الولاية لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء إلى حقوقهم، فرأى أن ذلك فرض متعين عليه، فإنه لم يكن هناك غيره، وهكذا الحكم اليوم لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة، ولم يكن هناك من يصلح ولا يقوم مقامه لتعين ذلك عليه ووجب أن يتولاها، ويسأل ذلك، ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية وغير ذلك، كما قال يوسف -عليه السلام- فأما لو كان هناك من يقوم بها ويصلح لها، وعلم بذلك فالأولى ألا يطلب لقوله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن: "لا تسأل الإمارة"، وأيضا فإن في سؤالها والحرص عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها دليل على أنه يطلبها لنفسه ولأغراضه، ومن كان هكذا يوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك، وهذا معنى قوله -عليه السلام-: وكل إليها، ومن أباها لعلمه بآفاتها، ولخوفه من التقصير في حقوقها فر منها، ثم إن ابتلي بها فيرجى له التخلص منها، وهو معنى قوله: أعين عليها (١).

فظهر بذلك أن المعنى المستنبط لا يعارض الحديث.

قال ابن عاشور: فلا يعارض هذا ما جاء في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة؛ لأن عبد الرحمن بن سمرة لم يكن منفردا بالفضل من بين أمثاله، ولا راجحا على جميعهم (٢).

وتبين أيضا أن لطلب الولاية أحكاما مختلفة، فقد يتعين أحيانا إذا توقف على ولايته إقامة واجب مثلا، وقد يكون جائزا، وقد يكون مذموما.

قال السعدي: (وكذلك لا تذم الولاية إذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وأنه لا بأس بطلبها إذا كان أعظم كفاءة من غيره، وإنما الذي يذم إذا لم يكن فيه كفاية، أو كان موجودا غيره مثله أو أعلى منه، أو لم يرد بها إقامة أمر الله فبهذه الأمور ينهى عن طلبها والتعرض لها) (٣).

وفي هذا الاستنباط حجة بالغة على كل مسلم ولي عملا في ديار المسلمين، وكان تحت حكم مسلمين أن يقوم فيه بالعدل، فيؤدي في عمله حقوق الله، وحقوق عباده، وأن يحرص على نفع الناس، وإيصال الخير إليهم مع إتقان العمل؛ فإن يوسف -عليه السلام- تولى عمله عند غير مسلم حرصا على إقامة العدل، ونفع الناس.


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٩/ ص ١٨٣.
(٢) التحرير والتنوير ج ١٢/ ص ٨٢.
(٣) تيسير الكريم الرحمن ص ٤١٠.

<<  <   >  >>