للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم مثَّل له بمثالين:

الأول: تخليص أسارى المسلمين من أيدي العدو بالفداء مصلحة راجحة، قُدِّمت على المفسدة المرجوحة التي هي انتفاع العدو بالمال المدفوع لهم فداء للأسارى.

الثاني: انتفاع الناس بالعنب والزبيب مصلحة راجحة على مفسدة عصر الخمر من العنب، فلم يقل أحد بإزالة العنب من الدنيا لدفع ضرر عصر الخمر منه؛ لأن الانتفاع بالعنب والزبيب مصلحة راجحة على تلك المفسدة (١).

ويشترط في تقديم درء المفسدة ألا يؤدي إلى مفسدة أخرى، فيلغى التقديم (٢).

٦٨ - الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه، واستخراج حقائقه ليس بمذموم (٣).

قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)} المائدة: ٧٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وأما الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه، واستخراج حقائقه فليس بمذموم) (٤).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٥) -رحمه الله- أن الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه، واستخراج حقائقه ليس بمذموم.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى نهى عن الغلو بقوله: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} فقيد الغلو المذموم بكونه بغير الحق؛ فدل بمفهوم المخالفة- مفهوم القيد- أن الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه، واستخراج حقائقه ليس بمذموم.

ونقل القنوجي هذا الاستنباط عن الشوكاني، كما أشار إليه القاسمي، وابن عاشور. (٦).

وهذا الاستنباط مبني على تفسير {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} بمعنى: غلوا غير غلو الحق. فيكون الغلو نوعين: بحق، وبغير حق.


(١) انظر: أضواء البيان ج ٥/ ص ٢٢٢، ٢٢٣.
(٢) انظر: القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، للدكتور محمد مصطفى الزحيلي ج ١/ ص ٢٣٩.
(٣) وهو استنباط عقدي.
(٤) فتح القدير ج ٢/ ص ٦٥.
(٥) واستنبط ابن عثيمين من الآية: الرد على الجبرية الذين قالوا: إن ضلال الإنسان لا ينسب إليه، وأنه مجبور عليه ولا اختيار له فيه؛ لأن الآية صريحة بأنهم ضلوا وأضلوا. انظر: تفسير سورة المائدة ج ١/ ص ٢٣٢.
(٦) انظر: فتح البيان ج ٤/ ص ٣٠، ومحاسن التأويل ج ٤/ ص ٢١٨، والتحرير والتنوير ج ٥/ ص ١٧٨.

<<  <   >  >>