للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الناس]

٢١٩ - مناسبة ذكر أن الله رب الناس وملكهم وإلههم، وترتيبها على هذا النحو (١).

قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣)}

الناس: ١ - ٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقوله: {مَلِكِ النَّاسِ (٢)} عطف بيان جيء به لبيان أن ربيته سبحانه ليست كربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم، بل بطريق الملك الكامل، والسلطان القاهر. {إِلَهِ النَّاسِ (٣)} هو أيضا عطف بيان كالذي قبله؛ لبيان أن ربوبيته وملكه قد انضم إليهما المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي بالاتحاد والإعدام، وأيضا الرب قد يكون ملكا وقد لا يكون ملكا، كما يقال: رب الدار، ورب المتاع، ومنه قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (٢) [التوبة: ٣١] فبين أنه ملك الناس، ثم الملك قد يكون إلها وقد لا يكون، فبين أنه إله؛ لأن اسم الإله خاص به لا يشاركه فيه أحد، وأيضا بدأ باسم الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل عمره إلى أن صار عاقلا كاملا، فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك فذكر أنه ملك الناس، ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه، وأنه عبد مخلوق، وأن خالقه إله معبود بين سبحانه أنه إله الناس. وكرر لفظ الناس في الثلاثة المواضع؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزية الإظهار، ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٤) -رحمه الله- أن مناسبة ذكر أن الله رب الناس وملكهم وإلههم، وترتيبها على هذا النحو أن الله بدأ بما هو أول وهو ربوبيته سبحانه، ثم ذكر أنه ملكهم لأن الرب قد يكون ملكا وقد لا يكون ملكا، ثم بين أنه ملك الناس؛ لأن الملك قد يكون إلها وقد لا يكون، فبين أنه إله؛ لأن اسم الإله خاص به لا يشاركه فيه أحد.


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بمعنى التكرار).
(٢) وتمامها: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)}.
(٣) فتح القدير ج ٥/ ص ٥٢٢.
(٤) واستنبط غيره من الآيات استنباطات أخرى، منها:
١) قال البيضاوي: وفي هذا النظم إشعار بمراتب النظر في المعارف، فإنه يعلم أولا بما عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا، ثم يتغلغل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل، فهو الملك الحق، ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة. انظر: أنوار التنزيل ج ٥/ ص ٥٥٣، والتحرير والتنوير ج ٣٠/ ص ٥٥٤.
٢) استنبط الرازي مناسبة ذكر أنه رب الناس على التخصيص، فقال: (وذلك لوجوه: أحدها: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس، فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم، ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم. وثانيها: أن أشرف المخلوقات في العالم هم الناس. وثالثها: أن المأمور بالاستعاذة هو الإنسان فإذا قرأ الإنسان هذه صار كأنه يقول: يا ربي، يا ملكي، يا إلهي). التفسير الكبير ج ٣٢/ ص ١٨٠.

<<  <   >  >>