للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (١) -رحمه الله- أن من حرم على نفسه شيئا مما أحله الله له فلا يحرم عليه ولا تلزمه كفارة.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى نهى عن تحريم ما أحل لعباده؛ فدل ذلك على أن من التحريم والتحليل له سبحانه، فمن حرم على نفسه شيئا مما أحله الله له فلا يحرم عليه إذ هو تحريم لا أثر له.

قال إلكيا: (فيه دليل على أن العبد لا يمكنه أن يحرم على نفسه ما أحله الله تعالى له بعقده وقصده) إلى أن قال: (وفيه دليل على أن ذلك منه لغو، وأبو حنيفة رأى أن ذلك صار محرما عليه، وأنه إذا تناوله لزمته الكفارة، وهو بعيد). (٢).

وعدم الكفارة هنا يستثنى منه تحريم النساء. قال الدوسري: (وقد ذهب بعض العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم على نفسه مأكلا أو مشربا ونحوه ما عدا النساء فإنه لا تحرم عليه، وليس عليه كفارة إلا في تحريم النساء، وذهب الإمام أحمد ومن وافقه إلى وجوب الكفارة على من حرم على نفسه حلالا؛ لأن التزم نفسه باليمين فيؤاخذ بما التزمه، ولكن هذه الآية تدل على ما ذهب إليه الشافعي إلا في تحريم النساء؛ لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: من الآية ٢]) (٣).

وممن قال باستنباط الشوكاني: إلكيا الهراسي، وابن العربي، والقرطبي، وابن عاشور. (٤).

وخالف السعدي إذ جعل الكفارة على من حرم حلالا، فقال: (ودلت الآية الكريمة على أنه إذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب وسرية وأمة ونحو ذلك فإنه لا يكون حراما بتحريمه، لكن لو فعله فعليه كفارة يمين كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: من الآية ١] الآية. إلا أن تحريم الزوجة فيه كفارة ظهار) (٥).


(١) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) مناسبة هذه الآية لما قبلها، قال الرازي: (ظهر وجه النظم بين هذه الآية وبين ما قبلها وذلك لأنه تعالى مدح النصارى بأن منهم قسيسين ورهبانا، وعادتهم الاحتراز عن طيبات الدنيا ولذاتها، فلما مدحهم أوهم ذلك المدح ترغيب المسلمين في مثل تلك الطريقة، فذكر تعالى عقيب هذه الآية إزالة لذلك الوهم ليظهر للمسلمين أنهم ليسوا مأمورين بذلك). التفسير الكبير ج ١٢/ ص ٥٩.
٢) استنبط من قوله تعالى: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} تحريم إيقاع الطلاق الثلاث؛ لما فيه من تحريم المباح من المرأة. انظر: أحكام القرآن للجصاص ج ٤/ ص ١١١.
(٢) أحكام القرآن ج ٣/ ص ٨٧.
(٣) صفوة الآثار والمفاهيم ج ٩/ ص ٢٣٢.
(٤) انظر: أحكام القرآن ج ٣/ ص ٨٧، وأحكام القرآن ج ٢/ ص ٩٩، والجامع لأحكام القرآن ج ٦/ ص ٢٤٦، والتحرير والتنوير ج ٥، ص ١٩١.
(٥) تيسير الكريم الرحمن ص ٢٤٢.

<<  <   >  >>