للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأظهر-والله تعالى أعلم- أن التحريم إن كان مقترنا بيمين فعليه الكفارة (١)، أما إن كان امتناعا بلا يمين فلا شيء عليه.

قال ابن العربي-عند تفسير قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)} [آل عمران: ٩٣]-: (حقيقة التحريم المنع، فكل من امتنع من شيء مع اعتقاده الامتناع منه فقد حرمه، وذلك يكون بأسباب: إما بنذر كما فعل يعقوب في تحريم الإبل وألبانها، وإما بيمين كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في العسل أو في جاريته، فإن كان بنذر فإنه غير منعقد في شرعنا. ولسنا نتحقق كيفية تحريم يعقوب هل كان بنذر أو بيمين، فإن كان بيمين فقد أحل الله لنا اليمين بالكفارة، أو بالاستثناء المتصل رخصة منه لنا ولم يكن ذلك لغيرنا من الأمم. فلو قال رجل: حرمت الخبز على نفسي أو اللحم لم يحرم ولم ينعقد يمينا. فإن قال: حرمت أهلي فقد اختلف العلماء فيه اختلافا كثيرا يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. والصحيح أنه يلزمه تحريم الأهل إذا ابتدأ بتحريمها كما يحرمها بالطلاق، ولا يلزمه تحريم فيما عدا ذلك؛ لقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}) (٢).

وفي هذا الاستنباط حكمة عظيمة هي بقاء الحلال والحرام في إطار الحفظ من الأهواء و التنطعات، فربما شوه الإسلام بتنطع محرم (٣).


(١) ويدل عليه قول ابن عباس -رضي الله عنهم- الذي أخرجه الطبري في جامع البيان ج ٨/ ص ٦١٦، والسيوطي في الدر المنثور ج ٣/ ص ١٤٩ - : لما نزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} في القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم على أنفسهم قالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا؟ فنزلت: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: من الآية ٨٩]. فإنهم قالوا كيف نصنع بأيماننا، وهذا يدل على أن تحريمهم كان باليمين. وانظر سبب نزول الآية في لباب النقول ص ٩٦.
(٢) أحكام القرآن ج ١/ ص ٣١٠.
(٣) انظر: استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي ص ٤٧٦.

<<  <   >  >>