للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أباح لنبيه -صلى الله عليه وسلم- نكاح بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، ثم قيد ذلك بالهجرة؛ فدل هذا التقييد على شرف الهجرة، وشرف من هاجر.

قال الهرري: (وتقييد البنات بكونها مهاجرات معه للإيذان بشرف الهجرة، وشرف من هاجر) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والهرري (٢). وأشار إليه ابن عاشور. (٣).

وهذا الاستنباط على أن الهجرة في الآية على ظاهرها. قال ابن العربي: ({اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} وفيه قولان: أحدهما: أن معناه: لا يحل لك أن تنكح من بنات عمك وبنات عماتك إلا من أسلم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" (٤). الثاني: أن المعنى: لا يحل لك منهن إلا من هاجر إلى المدينة) إلى أن قال: (والمراد بقوله: {هَاجَرْنَ} خرجن إلى المدينة. وهذا أصح من الأول؛ لأن الهجرة عند الإطلاق هي الخروج من بلد الكفر إلى دار الإيمان، والأسماء إنما تحمل على عرفها، والهجرة في الشريعة أشهر من أن تحتاج إلى بيان أو تختص بدليل، وإنما يلزم ذلك لمن ادعى غيرها) (٥).

١٧٩ - جواز الجمع بين ذكر الله وذكر غيره في ضمير واحد (٦).

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)} الأحزاب: ٥٦

قال الشوكاني-رحمه الله-: ({يُصَلُّونَ} وفيه تشريف للملائكة راجع إلى الله وإلى الملائكة عظيم، حيث جعل الضمير لهم ولله سبحانه واحدا، فلا يرد الاعتراض بما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- لما سمع قول الخطيب يقول: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى؛ فقال: "بئس خطيب القوم أنت، قل ومن يعص الله ورسوله" (٧). ووجه ذلك أنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله سبحانه مع غيره في ضمير واحد. وهذا الحديث ثابت في الصحيح، وثبت أيضا في الصحيح: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر مناديا ينادي يوم خيبر: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية" (٨). ولأهل العلم أبحاث في الجمع بين الحديثين (٩) ليس هذا موضع ذكرها، والآية مؤيدة للجواز لجعل الضمير فيها لله ولملائكته واحدا، والتعليل بالتشريف للملائكة يقال مثله في رسول -صلى الله عليه وسلم-. ويحمل الذم لذلك الخطيب الجامع بينهما على أنه -صلى الله عليه وسلم- فهم منه إرادة التسوية بين الله سبحانه وبين رسوله، فيختص المنع بمثل ذلك. وهذا أحسن ما قيل في الجمع. وقالت طائفة: في هذه حذف، والتقدير: إن الله يصلي، وملائكته يصلون (١٠)، وعلى هذا القول فلا تكن الآية مما جمع فيه بين ذكر الله وذكر غيره في ضمير واحد) (١١).


(١) حدائق الروح والريحان ج ٢٣/ ص ٧٨.
(٢) انظر: فتح البيان ج ١١/ ص ١١٢، وحدائق الروح والريحان ج ٢٣/ ص ٧٨.
(٣) انظر: التحرير والتنوير ج ٢١/ ص ٢٩١.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب: الإيمان، باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم: ١٠، ج ١/ ص ١٣.
(٥) أحكام القرآن ج ٣/ ص ٤٤٧.
(٦) وهو استنباط عقدي ولغوي أيضا.
(٧) ولفظ الحديث عند مسلم عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه-: "أن رجلا خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله". كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، رقم: ٨٧٠، ج ٢/ ص ٥٩٤.
(٨) ولفظ الحديث عند البخاري: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءه جاءِ فقال: اختلفا الحمر، فسكت، ثم أتاه الثانية فقال: اختلفا الحمر، فسكت، ثم أتاه الثالثة فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم". كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، رقم: ٣٩٦٣، ج ٤/ ص ١٥٣٩. وأخرجه مسلم في كتاب: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب: تحريم أكل لحم الحمر الأنسية، رقم: ١٩٤٠، ج ٣/ ص ١٥٤٠.
(٩) انظر: فتح الباري ج ١/ ص ٦١، وشرح النووي على صحيح مسلم ج ٦/ ص ١٥٩.
(١٠) قال ابن الفرس: وقالت فرقة: ليس في الآية اجتماع ضمير، فالضمير للملائكة خاصة، تقديره: إن الله تعالى يصلي على محمد، وملائكته يصلون، ودل الظاهر من القول على ما ترك. واستدلوا بإنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل قال: ما شاء الله وشئت. انظر: أحكام القرآن ج ٣/ ص ٤٤٢.
(١١) فتح القدير ج ٤/ ص ٣٠٠.

<<  <   >  >>