للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[خامسا: ابن عطية]

لم يتأثر الشوكاني في الاستنباط بابن عطية إلا قليلا، إذ انحصر تأثره به في خمسة عشر موضعا (١). ومن أمثلة ذلك:

١ - في قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)} [البقرة: ٣٥] قال ابن عطية: (وهذا مثال بيَّن في سد الذرائع) (٢).

وقال الشوكاني -رحمه الله-: (والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة؛ ولهذا جاء به عوضا عن الأكل … ) (٣).

٢ - في قوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)} [آل عمران: ١٢٠] قال ابن عطية: (وذكر تعالى المس في الحسنة ليبين أن بأدنى طروء الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين، ثم عادل ذلك بالسيئة بلفظ الإصابة، وهي عبارة عن التمكن لأن الشيء المصيب لشيء فهو متمكن منه أو فيه؛ فدل هذا المنزع البليغ على شدة العداوة، إذ هو حقد لا يذهب عند الشدائد، بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين، وهكذا هي عداوة الحسد في الأغلب، ولا سيما في مثل هذا الأمر الجسيم الذي هو ملاك الدنيا والآخرة) (٤).

وقال الشوكاني -رحمه الله-: (وعبر بالمس في الحسنة، وبالإصابة في السيئة؛ للدلالة على أن مجرد مس الحسنة يحصل به المساءة، ولا يفرحون إلا بإصابة السيئة) (٥).

• سادسا: البقاعي:

تأثر الشوكاني بالبقاعي في استنباط المناسبات وغيرها، وذلك فيما يقارب أربعة عشر موضعا (٦)، ومن أمثلة ذلك:

١ - في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)} [البقرة: ٢٢١] قال البقاعي: (وأفهم هذا خيرية الحرة والحر المؤمنين من باب الأولى، مع التشريف العظيم لهما بترك ذكرهما إعلاما بأن خيريتهما أمر مقطوع به لا كلام فيه، وأن المفاضلة إنما هي بين من كانوا يعدُّونَه دَنِيَّا فشرفه الإيمان، ومن يعدُّونَه شريفا فحقره الكفران، وكذلك ذكر الموصوف بالإيمان في الموضعين ليدل على أنه وإن كان دَنِيَّا موضع التفضيل لعلو وصفه، وأثبت الوصف بالشرك في الموضعين مقتصراً عليه؛ لأنه موضع التحقير وإن علا في العرف موصوفه) (٧).


(١) انظر: الاستنباطات رقم: ١٠، ١٣، ٢٠، ٢٧، ٣٥، ٥٣، ٥٤، ٧٧، ١٠٩، ١١٣، ١٣٢، ١٥٨، ٢١٢.
(٢) انظر: المحرر الوجيز ص ٧٧.
(٣) فتح القدير ج ١/ ص ٦٨، وانظر: الاستنباط رقم: ٨.
(٤) المحرر الوجيز ص ٣٤٩.
(٥) فتح القدير ج ١/ ص ٣٧٦، وانظر: الاستنباط رقم: ٤٠.
(٦) انظر أمثلة ذلك في الاستنباطات رقم: ٧، ١٢، ٢٣، ٢٥، ٢٧، ٥٤، ٧٢، ١٢٤، ١٣١.
(٧) المصدر السابق ج ١/ ص ٤٢٠.

<<  <   >  >>