للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٤ - الخير من الله للناس فضل منه لا استحقاق لهم به (١).

قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)} يونس: ١٠٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} أي خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك، ويحول بينك وبينه كائنا من كان. وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بما لا يستحقونه بأعمالهم) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- من الآية أن الخير من الله للناس فضل منه لا استحقاق لهم به (٣).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} فذكر الخير أولا، ثم لم يعد ذكره بالضمير بل أوقع موقع الضمير لفظ (الفضل)، فدل الإظهار في موضع الإضمار على أن الخير من الله للناس فضل منه لا استحقاق لهم به.

قال ابن عاشور: (والفضل هو الخير، ولذلك فإيقاعه موقع الضمير؛ لدلالة على أن الخير الواصل إلى الناس فضل من الله لا استحقاق لهم به؛ لأنهم عبيد له يصيبهم بما يشاء) (٤).

أو أن وجه الاستنباط: أن الله سمى الخير فضلا فدلت مناسبة اللفظ على هذا المعنى.

قال أبو حيان: (سمى الخير فضلا إشعارا بأن الخيور من الله تعالى هي صادرة على سبيل الفضل والإحسان والتفضل) (٥).

وممن قال بهذا الاستنباط: أبو حيان، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي، والمراغي، وابن عاشور، ومحمد أبو زهرة. (٦).

وفي هذا حث الناس على شكر الله تعالى على نعمه، والاعتراف بفضله.

قال أبو زهرة: (قوله تعالى: {لِفَضْلِهِ} فيها إظهار في موضع الإضمار، وذلك لبيان أنه لفضل من الله ورحمة منه سبحانه، وأنه واجب الشكر على هذه النعمة) (٧).


(١) وهو استنباط في الرقائق.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٧٨.
(٣) وقريبا من هذا الاستنباط قول الشوكاني: -عند قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ … عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)} [الإسراء: ٢٠]-: (وفي قوله: {مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} إشارة إلى أن ذلك بمحض التفضل). فتح القدير ج ٣/ ص ٢١٧. وسيأتي بيانه في موضعه.
(٤) التحرير والتنوير ج ١٠/ ص ١٩٣.
(٥) البحر المحيط ج ٥/ ص ٢٥٥.
(٦) البحر المحيط ج ٥/ ص ٢٥٥، وإرشاد العقل السليم، ج ٤/ ص ١٨٠، وروح المعاني ج ١١/ ص ٢٠٠، وفتح البيان ج ٦/ ص ١٣٢، وتفسير المراغي ج ١١/ ص ١٣٥، والتحرير والتنوير ج ١٠/ ص ١٩٣، وزهرة التفاسير ج ٧/ ص ٣٦٤٦.
(٧) زهرة التفاسير ج ٧/ ص ٣٦٤٦.

<<  <   >  >>