للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيظهر أن الحق-والله أعلم- ما استنبطه الشوكاني ومن قال بقوله من العلماء؛ لما تقدم من أدلة احتج بها على صحة المعنى المستنبط، ولأن استنباط هذا المعنى من الآية يصح.

ثم إن القول بأن الآية تدل على وحدانية الله لا يمنع أن يُستنبط من الآية ما ذكره الشوكاني.

٦ - مناسبة إثبات الله أنه بكل شيء عليم بعد أن ذكر خلقه الأرض والسموات؛ أنه يجب أن يكون عالما بجميع ما ثبت أنه خالقه (١).

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)} البقرة: ٢٩.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وإنما أثبت لنفسه سبحانه أنه بكل شيء عليم لأنه يجب أن يكون عالما بجميع ما ثبت أنه خالقه) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- مناسبة إثبات الله لنفسه أنه بكل شيء عليم بعد أن ذكر خلقه الأرض والسموات؛ لأنه يجب أن يكون عالما بجميع ما ثبت أنه خالقه.

ووجه الاستنباط: أن الله ذكر في الآية خلقه للأرض والسموات خلقا محكما، والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالما بما فعله؛ فناسب ختم الآية بإحاطته سبحانه بكل شيء، إذ لابد من مناسبة بين الآية وختامها. ودل على ذلك دلالة الربط بين موضوع الآية وخاتمتها.

قال ابن القيم: (إذا تأملت ختم الآيات بالأسماء والصفات؛ وجدت كلامه مختتما بذكر الصفة التي يقتضيها ذلك المقام، حتى كأنها ذكرت دليلا عليه وموجبة له) (٣).

والتنبه لمناسبة الآيات لختمها بالأسماء الحسنى من أهم المهمات؛ لذا جعلها السعدي من القواعد الهامة، فقال: (ختم الآيات بأسماء الله الحسنى يدل على أن الحكم المذكور له تعلق بذلك الاسم الكريم، وهذه القاعدة لطيفة نافعة، عليك بتتبعها في جميع الآيات المختومة بها، تجدها في غاية المناسبة، وتدلك على أن الشرع والأمر والخلق كله صادر عن أسمائه وصفاته ومرتبط بها. وهذا باب عظيم في معرفة الله ومعرفة أحكامه، وهو من أجل المعارف وأشرف العلوم. فتجد آية الرحمة مختومةً بأسماء الرحمة، وآيات العقوبة والعذاب مختومة بأسماء العزة والقدرة والحكمة والعلم والقهر). ثم أشار إلى مناسبة ختم الآية بقوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) فقال: (قوله تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)} فذكرُ إحاطة علمه بعد ذكر خلقه للأرض والسماوات يدل على إحاطة علمه بما فيها من العوالم العظيمة، وأنه حكيم حيث وضعها لعباده، وأحكم صنعها في أحسن خلق وأكمل نظام، وأن خلقه لها من أدلة علمه، كما قال في الآية الأخرى:: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤]؛ فخلقه للمخلوقات وتسويتها على ما هي عليه من إنسان وحيوان ونبات وجماد من أكبر الأدلة العقلية على علمه، فكيف يخلقها وهو لا يعلمها؟) (٤).


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٦١.
(٣) شفاء العليل ص ٢٠٠.
(٤) القواعد الحسان ص ٥٣.

<<  <   >  >>