للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فجاءت الفاصلة {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)} ممكنة لمعنى الآية (١).

والتمكين أن يُمهد للفاصلة قبلها تمهيدا تأتي به الفاصلة ممكنة في مكانها، مستقرة في قرارها، مطمئنة في موضعها، غير نافذة ولا قلقة، متعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقا تاما بحيث لو طرحت اختل المعنى، واضطرب الفهم (٢).

وعد السيوطي الفاصلة في هذه الآية مع الفاصلة في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)} [آل عمران: ٢٩] من مشكلات الفواصل، فقال: (ومن خفي ذلك أيضا -أي من خفي الفواصل- قوله في سورة البقرة {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)}، وفي آل عمران {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)} فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة، وفي آية آل عمران الختم بالعلم).

ثم أجاب عن ذلك مبينا مناسبة كل فاصلة للآية التي ختمت بها، فقال: (والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم، وخلق السموات خلقا مستويا محكما من غير تفاوت، والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالما بما فعله كليا وجزئيا، مجملا ومفصلا؛ ناسب ختمها بصفة العلم. وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار، وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب؛ ناسب ختمها بصفة القدرة) (٣).

وفي القرآن الكريم يقرن الله كثيرا بين خلقه وعلمه، وذلك للمناسبة بينهما؛ إذ خلق الله للمخلوقات أدل دليل على علمه، وحكمته، وقدرته، وإحاطته بالجزئيات والكليات (٤).


(١) ذكره الزركشي في البرهان في علوم القرآن ج ١/ ص ١٧٨.
(٢) المصدر السابق ص ١٧٠.
(٣) الإتقان ج ٢/ ص ٢٧٥، ٢٧٦.
(٤) انظر: أسماء الله الحسنى في خواتيم آيات سورة الفاتحة والبقرة، للدكتور علي العبيد ص ١٣.

<<  <   >  >>