للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٩ - المملوك (١) لا يزوج نفسه وإنما يزوجه مالكه (٢).

قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)} النور: ٣٢

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفيه دليل على أن المملوك لا يزوج نفسه وإنما يزوجه مالكه) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٢) -رحمه الله- أن المملوك لا يزوج نفسه وإنما يزوجه مالكه.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى في نكاح العبيد ساداتهم فقال: {وَأَنْكِحُوا} ولم يخاطبهم؛ فدل خطابه للسادة على أن المملوك لا يزوج نفسه وإنما يزوجه مالكه.

قال القصاب: ({وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} دليل على أن ليس للعبد ولا للأمة أن يتزوجا بغير إذن سيدهما) (٤).

وقال البيضاوي: والخطاب للأولياء والسادة، وفيه إشعار بأن المرأة والعبد لا يستبدان به؛ إذ لو استبدا لما وجب على الولي والمولى (٥).

وممن قال بهذا الاستنباط: القصاب -كما تقدم-، وابن العربي، والبيضاوي -كما تقدم- والقنوجي. (٦). وأشار إليه القرطبي (٧).

ونقل ابن العربي قولا مخالفا لأصحاب الشافعي ثم تعقبه بقوله: أما أن أصحاب الشافعي تعلقوا بأن العبد مكلف فلا يجبر على النكاح؛ لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدمية، وإنما يتعلق به المملوكية فيما كان حظا للسيد من ملك الرقبة والمنفعة، فله حق المملوكية في بضع الأمة ليستوفيه ويملكه. فأما بضع العبد فلا حق له فيه؛ ولأجل ذلك لا تباح السيدة لعبدها. ولعلمائنا النكتة العظمى في أن مالكية العبد استغرقتها مالكية السيد، ولذلك لا يتزوج إلا بإذنه إجماعا، والنكاح وبابه إنما هو من المصالح، ومصلحة العبد موكولة إلى السيد هو يراها ويقيمها للعبد، ولذلك زوج الأمة بملكه لرقبتها لا باستيفائه لبضعها. والدليل على صحة ما نقوله من ذلك أنه لا يملك بضع امرأته وإن كان يملكها، ويملك بضع أخته من الرضاع أمة وإن كان لا يستوفيه، والمالكية في رقبة العبد كالمالكية في رقبة الأمة، والمصلحة في كل واحد منهما بيد السيد استيفاؤها وإقامتها (٧).


(١) بيّن ابن العربي أن المقصود بعبادكم في الآية المملوكون، فقال: (فإن قيل: لو أراد المملوكين لقال من عبيدكم؛ قلنا عنه جوابان: أحدهما: أنه قال بعده: {وَإِمَائِكُمْ}، ولو أراد الناس لما جاء بالهمزة كما تقدم، ولذلك قرأها الحسن: من عبيدكم، وليبين الإشكال، ويرفع اللبس.
الثاني: أن هذا اللفظ لو قدرناه كما زعموا لكان عاما، وكنا نحكم بعمومه فيمن كان حرا أو عبدا كما حكمنا بعمومه فيمن كانت أمة لله أو لأحد من خلقه بتمليكه إياها له). أحكام القرآن ج ٣/ ص ٢٧٩.
(٢) وهو استنباط فقهي.
(٣) فتح القدير ج ٤/ ص ٢٨.
(٢) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) في الآية دليل على أن العبيد والإماء يملكون؛ لأن من لا يملك شيئا لا يقع عليه اسم غني. انظر: نكت القرآن ج ٣/ ص ٤٥٠.
٢) أن العبيد والإماء إن لم يكونوا صالحين كان تزويجهم آكد أمرا، وهذا من دلالة الفحوى، فيشمل غير الصالحين غير الأعفاء والعفائف من المماليك المسلمين. انظر: التحرير والتنوير ج ١٨/ ص ١٧٣.
(٤) نكت القرآن ج ٣/ ص ٤٤٧.
(٥) انظر: أنوار التنزيل ج ٤/ ص ١٨٤، ١٨٥.
(٦) انظر: نكت القرآن ج ٣/ ص ٤٤٧، وأحكام القرآن ج ٣/ ص ٢٧٨، وأنوار التنزيل ج ٤/ ص ١٨٤، ١٨٥، وفتح البيان ج ٩/ ص ٢١٥.
(٧) الجامع لأحكام القرآن ج ١٢/ ص ٢١٩.
(٨) انظر: أحكام القرآن ج ٣/ ص ٢٧٨، ٢٧٩.

<<  <   >  >>