للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الأحزاب]

١٧٧ - العدة حق للرجال (١).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٤٩)} الأحزاب: ٤٩

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} … ومعنى تعتدونها تستوفون عددها من: عددتُ الدراهم فأنا أعتدها. وإسناد ذلك إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق لهم كما يفيده {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ}) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- العدة حق للرجال.

ووجه الاستنباط: أن العدة في قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} أسندت في الآية للرجال؛ فدل ذلك على أن العدة حق لهم.

قال أبو حيان: (يدل على أن العدة حق الزوج فيها غالب، وإن كانت لا تسقط بإسقاطه لما فيه من حق الله تعالى) (٤). فإثبات هذا الحق للرجال لا يجيز إسقاطه بإسقاطهم له؛ لأن العدة حق لله تعالى.

وذكر ابن عاشور معنى كونها حقا لهم، فقال: (وجعلت العدة لهم، أي لأجلهم؛ لأن المقصد منها راجع إلى نفع الأزواج بحفظ أنسابهم، ولأنهم يملكون مراجعة الأزواج ما دمن في مدة العدة كما أشار إليه قوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)} (٥) [الطلاق: ١]، وقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (٦) [البقرة: ٢٢٨] ومع ذلك هي حق أوجبه الشرع، فلو رام الزوج إسقاط العدة عن المطلقة لم يكن له ذلك؛ لأن ما تتضمنه العدة من حفظ النسب مقصد من أصول مقاصد التشريع فلا يسقط بالإسقاط) (٧).


(١) وهو استنباط فقهي.
(٢) فتح القدير ج ٤/ ص ٢٩٠.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، ووجهه أنه رتب الطلاق على النكاح بكلمة ثم. انظر: نكت القرآن ج ٣/ ص ٦٦٣، وأحكام القرآن للكيا ج ٤/ ص ٣٤٨، والإكليل ج ٣/ ص ١١١٢. ولابن الفرس تفصيل في هذه المسألة ذكره في أحكام القرآن ج ٣/ ص ٤٢٧.
٢) جواز الطلاق؛ لأن الله أخبر به عن المؤمنين على وجه لم يلمهم عليه ولم يؤنبهم، مع تصدير الآية بخطاب المؤمنين. انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٦٦٨.
٣) من عدا غير المدخول بها من المفارقات من الزوجات بموت أو حياة عليهن العدة، ووجهه: مفهوم مخالفة لقيد {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}. انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٦٦٩.
(٤) البحر المحيط ج ٧/ ص ٣١٩.
(٥) وتمامها: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ … حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)}.
(٦) وتمامها: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ … يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)}.
(٧) التحرير والتنوير ج ٢١/ ص ٢٨٧.

<<  <   >  >>