للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- جواز الجمع بين ذكر الله وذكر غيره في ضمير واحد.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)} فجمع بين صلاته سبحانه على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصلاة ملائكته في ضمير واحد؛ فدل بدلالة الاقتداء بأفعال الله تعالى على جواز الجمع بين ذكر الله وذكر غيره في ضمير واحد.

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن الفرس، والقرطبي، والقنوجي. (١).

وقد ذكر الشوكاني في نيل الأوطار هذا الاستنباط، فبيَّن جواز التشريك بين الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في ضمير واحد. واستدل على ذلك بحديث: "أن يكون الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما" (٢). وبيَّن أن سبب إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- على الخطيب أنه جمع بينهما في خطبة، والخطبة شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز، ولهذا ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه، وإنما ثنى الضمير في قوله: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم، فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه، بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها. أو أنه أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية، فنبهه على خلاف معتقده، وأمره بتقديم اسم الله تعالى على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده (٣).

وهذا الاستنباط إنما يصح على أن الضمير في قوله تعالى: {يُصَلُّونَ} راجع لله تعالى وملائكته. لكنه يحتاج إلى تقييده بأن يقال: التشريك جائز إلا فيما ورد في الشرع ذمه، والمنع منه (٤).


(١) أحكام القرآن ج ٣/ ص ٤٤٢، والجامع لأحكام القرآن ج ١٤/ ص ٢٠٦، وفتح البيان ج ١١/ ص ١٣٤.
(٢) ولفظ الحديث عند البخاري: عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار". كتاب: الإيمان، باب: حلاوة الإيمان، رقم: ١٦، ج ١/ ص ١٤. وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، رقم: ٤٣، ج ١/ ص ٦٦.
(٣) انظر: نيل الأوطار ج ٣/ ص ٣٢٥، ٣٢٦. باب اشتمال الخطبة على حمد الله تعالى، والثناء على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والموعظة، والقراءة.
(٤) كقول: ما شاء الله وشئت. ففي حديث قتيلة بنت صيفي الجهني قالت: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنتم تشركون، قال: سبحان الله وما ذلكم؟ قال: تقولون إذا حلفتم بالكعبة، فأمهل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: من حلف فليحلف برب الكعبة. ثم قال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء فلان، فأمهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: من قال ما شاء الله فليجعل بينهما ثم شئت". وفي رواية: "إن حبرا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قولوا ما شاء الله ثم شئت، وقولوا ورب الكعبة. أخرجه أحمد في المسند برقم: ٢٧١٣٨، ج ٦/ ص ٣٧١. والحاكم في المستدرك برقم: ٧٨١٥، ج ٤/ ص ٣٣١. والبيهقي في السنن الكبرى، جماع أبواب آداب الخطبة، باب: كيف يستحب أن تكون الخطبة، رقم: ٥٦٠٢، ج ٣/ ص ٢١٧. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج ١/ ص ٢٦٣.
قال الألباني: قول الرجل لغيره: ما شاء الله وشئت يعد شركاً في الشريعة، وهو من شرك الألفاظ؛ لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، وسببه القرن بين المشيئتين، ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعي العلم: مالي غير الله وأنت، وتوكلنا على الله وعليك، ومثله قول بعض المحاضرين: باسم الله والوطن، أو باسم الله والشعب، ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي يجب الانتهاء عنها والتوبة منها أدباً مع الله تبارك وتعالى. سلسلة الأحاديث الصحيحة ج ١/ ص ٢٦٦.

<<  <   >  >>