للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد نبه القرطبي إلى جواز هذا النوع من الشكوى-الذي لا تسخط فيه-، وأنه لا يقدح في التوكل، كما نبه إلى أن أحسن الشكوى سؤال الله زوال البلوى، فقال: وفي هذا دليل على جواز الشكوى عند الضر أي: الجوع، بل واجب عليه إذا خاف على نفسه الضر من الفقر وغيره أن يبدي حالته إلى من يرجو منه النفع، كما هو واجب عليه أن يشكو ما به من الألم إلى الطبيب ليعالجه، ولا يكون ذلك قدحا في التوكل، وهذا ما لم يكن التشكي على سبيل التسخط. والصبر والتجلد في النوائب أحسن، والتعفف عن المسألة أفضل، وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى، وذلك قول يعقوب: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٦)} [يوسف: ٨٦] أي من جميل صنعه، وغريب لطفه وعائدته على عباده، فأما الشكوى على غير مشك فهو السفه إلا أن يكون على وجه البث والتسلي (١).

١١٧ - الموصوفون بالتقوى موصوفون بصفة الإحسان (٢).

قال تعالى: {قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)} يوسف: ٩٠.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)} … وجاء بالظاهر وكان المقام مقام المضمر أي: أجرهم للدلالة على أن الموصوفين بالتقوى موصوفون بصفة الإحسان) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- أن الموصوفين بالتقوى موصوفون بصفة الإحسان.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر أجر من يتق ويصبر بقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)}، فوضع المحسنين موضع المتقين والصابرين؛ فدل وضع الظاهر موضع المضمر على أن الموصوفين بالتقوى، والصبر موصوفون بصفة الإحسان.

قال البيضاوي: ({فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)} وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر) (٤).


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٩/ ص ٢١٤، ٢١٥.
(٢) وهو استنباط عقدي لأن التقوى والإحسان أعلى شعب الإيمان.
(٣) فتح القدير ج ٣/ ص ٥٢.
(٤) أنوار التنزيل ج ٣/ ص ٣٠٧.

<<  <   >  >>