للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال السيوطي: فيه امتحان الوالي صدق رعيته فيما اعتذروا به (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: السيوطي-كما تقدم-، والقنوجي. (٢).

وأشار إليه ابن العربي والقرطبي منبهين إلى أن على الإمام التحري إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة، فقال القرطبي: (في قوله: {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ … مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧)} دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم … ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة كما فعل سليمان، فإنه لما قال الهدهد: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣)} [النمل: ٢٣] لم يستفزه الطمع ولا استجره حب الزيادة في الملك إلى أن يعرض له حتى قال: … {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: من الآية ٢٤] (٣) فغاظه حينئذ ما سمع، وطلب الانتهاء إلى ما أخبر، وتحصيل علم ما غاب عنه من ذلك؛ فقال: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ … مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧)} (٤).

١٧٠ - من ذم علما من العلوم الشرعية، أو ذم علما هو مقدمة من مقدماتها ووسيلة يتوسل بها إليها فهو مذموم (٥).

قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤)} النمل: ٨٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({حَتَّى إِذَا جَاءُوا} إلى موقف الحساب قال الله لهم توبيخا وتقريعا: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} التي أنزلتها على رسلي، وأمرتهم بإبلاغها إليكم، والحال أنكم {وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا}، بل كذبتم بها بادئ بدء جاهلين لها، غير ناظرين فيها، ولا مستدلين على صحتها أو بطلانها تمردا، وعنادا، وجرأة على الله وعلى رسله. وفي هذا مزيد تقريع وتوبيخ لأن من كذَّب بشيء ولم يحط به علما؛ فقد كذب في تكذيبه، ونادى على نفسه بالجهل وعدم الإنصاف، وسوء الفهم وقصور الإدراك. ومن هذا القبيل من تصدى لذم علم من العلوم الشرعية، أو لذم علم هو مقدمة من مقدماتها ووسيلة يتوسل بها إليها، ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها وتعقل معانيها كعلوم اللغة العربية بأسرها، … وعلم أصول الفقه فإنه يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية، وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله وسنة رسوله) (٦).


(١) الإكليل ج ٣/ ص ١٠٧٠.
(٢) انظر: الإكليل ج ٣/ ص ١٠٧٠، وفتح البيان ج ١٠/ ص ٣٧.
(٣) وتمامها: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤)}.
(٤) انظر: أحكام القرآن ج ٣/ ص ٣٥٣، والجامع لأحكام القرآن ج ١٣/ ص ١٧٠.
(٥) وهو استنباط فائدة علمية.
(٦) فتح القدير ج ٤/ ص ١٥٤.

<<  <   >  >>